ويبرز من صفة ابراهيم (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ). وهي صورة الاستسلام الخالص تتمثل في مجيئه لربه. وبهذا القلب السليم استنكر ما عليه قومه استنكار الحسّ السليم. لكل ما تبوء عنه الفطرة الصادقة من تصور ومن سلوك.
(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ ...) وهو يراهم يعبدون أصناما وأوثانا. فيهتف بهم هتاف الفطرة السليمة. في استنكار شديد (ما ذا تَعْبُدُونَ) فان ما تعبدونه ليس من شأنه ان يعبد. ولا ان تكونوا له عابدين. انما هو الافك والافتراء (أَإِفْكاً آلِهَةً ..) وما هو تصوركم لرب العالمين. وهي كلمة يبدو فيها استنكار الفطرة السليمة البريئة.
(فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١))
البيان : (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) ويسقط السياق هنا ردهم عليه وحوارهم معه. (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) ويروى انه كان للقوم عيد يخرجون فيه الى الحدائق. بعد أن يضعوا الثمار بين يدي آلهتهم لتباركها. ثم يعودون بعد الفسحة فيأخذون طعامهم المبارك. وان ابراهيم (ع) بعد أن يئس من استجابتهم له وأيقن بانحراف فطرتهم الانحراف الذي لا صلاح له. اعتزم أمرا. وانتظر هذا اليوم الذي يعبدون فيه الاصنام. وكان الضيق بما هم فيه من انحراف قد بلغ منه أقصاه واتعب قلبه وقواه.
فلما دعى الى مغادرة المعبد قلب طرفه الى السماء وقال (إِنِّي