الموضوع الاول. موضوع القسم بصاد ـ الذي يقال انه نهر في الجنة ـ وبالقرآن ذي الذكر. وهذا القسم الذي لم يتم في ظاهر التعبير لأن جواب القسم عليه لم يذكر واكتفى بالقسم به ثم أخذ يتحدث بعده عن المشركين. وما هم فيه من استكبار. ولكن هذا الانقطاع عن القضية الاولى. هو انقطاع ظاهري يزيد الاهتمام بالقضية التي تليه.
لقد أقسم بصاد وبالقرآن ذي الذكر. فدل على انه امر عظيم. يستحق أن يقسم به الخالق العظيم. ثم عرض الى جانب هذا استكبار المشركين ومشاقهم في هذا القرآن المجيد. وعقب على الاستكبار والمشاقة بصفحة الهلاك والدمار (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) فلعلهم حين يتأملون هذه الصفحة ان يطامنوا من كبريائهم. قبل ان ينادوا ويستغيثوا.(وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) هذه هي العزة (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) وأوجب شيء وأقرب شيء الى الحكمة والمنطق ان يكون المنذر منهم من جنس البشر ـ أو من العرب. ولو كان من غيرهم لقامت قيامتهم اعظم واغرب.
وقصة العجب من أن يكون الرسول بشرا قصة قديمة. مكرورة معادة. قالها كل قوم لتضليل البسطاء منذ بدء الرسالات. وتكرار ارسال الرسل من البشر. (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) مع أنه أقرب الى الحكمة والمنطق وقوة الحجة ان يكون المنذر منهم. بشرا يدرك ما يدركون. ويحس بما يختلج في نفوسهم وما يعانون من نقص وشذوذ حتى يمكنه علاجهم ووصف الدواء لهم عن حس وادراك. وهو بشر مثلهم ويعيش معهم ومطلع على كل مشاكلهم وانحرافاتهم. بشر منهم من جيلهم. ويتكلم بلسانهم ويفهم عليهم ويفهمون عليه بكل ما يقول لهم وبدلا من ان يروها قيادة واقعية للبشرية. في الطريق الى الله تعالى.