وهكذا جاء القرآن عربيا لينذر أم القرى ومن حولها. فلما خرجت الجزيرة من الجاهلية الى الاسلام. وخصلت بكاملها للاسلام حملت الراية وشرقت بها وغربت. وقدمت الرسالة الجديدة والنظام الانساني. الذي قام على أساسها. للبشرية جميعها ـ كما هي طبيعة هذه الرسالة ـ وكان الذين حملوها هم أصلح من وجد بعدهم لحملها ونقلها.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) فلو شاء الله لخلق البشر خلقة أخرى لم توجد فيهم شهوات واهواء. تدعوهم الى الانحراف عن خط الله وشريعته التي شرعها وخططها لهم ابدا كالملائكة. فتوحد مصيرهم الى ما خلقهم لأجله. ولكنه سبحانه أرادت مشيئته ان يخلق هذا الانسان بطبائع وغرائز وشهوات ليتقو بها على تكامل ذاته ونيل المكان الرفيع عند خالقه اذا هو حكّم عقله وسار برشاده فحينئذ يمكنه أن يرتفع ويعتلي حتى يتجاوز مرتبة الملائكة المقربين بل قد تصبح الملائكة من خدامه وأعوانه. وكان نهاية امره الخلود في النعيم والسعادة.
وان هو نبذ عقله واتبع هواه حينئذ ينتكس في سيره نحو الشهوات والحيوانات وتستغويه الابالسة والشياطين حتى يصبح أسفل وأخزى من الحيوانات وينتهي الى نار الجحيم.
(فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ). وهكذا (يدخل من يشاء في رحمته والظالمين ما لهم من ولي ولا نصير) وفق ما يعلمه الله من حال هذا الفريق وذاك. واستحقاقه الرحمة بالهداية. أو استحقاقه للعذاب بالضلال الذي هو اختاره لنفسه في حياته الدنيا.
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) وهنا يقرر عزوجل بعد هذا الاستنكار ان الله وحده هو الولي. وانه هو القادر. فقدرته تتجلى في احياء الموتى (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى).