و (كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا ..) يعطف هذا الطرف من حقيقة الوحي على ذاك الطرف الذي بدأ به السورة. والمناسبة هنا بين تلك الاحرف المقطعة. وعربية القرآن غايتها التحدي والتعجيز لهم عن الاتيان بمثله لانه كلام الخالق العظيم يستحيل للمخلوقين ان يأتوا بمثله.
(لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) وأم القرى هي (مكة المكرمة). وقد نزل القرآن بلغة أهلها لانهم أفصح العرب وأشرفهم نسبا وأعلاهم مقاما. (الله اعلم حيث يجعل رسالته).
وقد كانت اليهودية والنصرانية قد تغيرت عن حقيقة واقعها وأصبحت اسطورة خيالية. فقد وقعت اليهودية فريسة الاضطهاد الروماني تارة. والاضطهاد الفارسي تارة اخرى.
وأما المسيحية فقد ولدت في ظل الدولة الرومانية. التي تسيطر على فلسطين وسورية ومصر وبقية المناطق التي انتشرت فيها المسيحية كما نظمها لهم ملك الرومان. وفق أغراضه وأهدافه.
وفي هذا الوقت قد انمحت فيه الحقائق الالهية وتلاعبت فيه الاهواء والاغراض جاء الاسلام لينقذ البشرية كلها مما انتهت اليه من انحلال وفساد واضطهاد وجاهلية عمياء في مكان. فجاء الاسلام ليقود البشرية الى خالقها العظيم على هدى ونور. ولم يكن هنالك بدّ من أن يسيطر الاسلام لتحقيق هذه النقلة الضخمة في حياة البشر.
ولم يكن هنالك بد من أن يبدأ رحلته من أرض حرة لا سلطان فيها لأمبراطورية من تلك الامبراطورية القائمة. وان ينشأ قبل ذلك نشأة حرة لا تسيطر عليها قوة خارجة على طبيعته. وأم القرى ومن حولها بالذات هي أصلح مكان على وجه على الارض لنشأة الاسلام يومئذ. وأصلح نقطة يبدأ منها رحلته العالمية. التي جاء من أجلها منذ اللحظة الاولى.