بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠))
البيان : ثم يكشف عن طبيعة هذا الانسان الذي يعارض ويعاند. ويعرض نفسه للاذى والعذاب. ويتجاوز حده بعصيانه وخروجه عن خطه المستقيم فيتدهور. (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها) ويعقب على هذا بان نصيب هذا الانسان من السراء والضراء. ومن العطاء والحرمان كله بيد الله تعالى. فمال هذا الانسان المحب للخير. الجزوع من الشر. يبعد عن الله. المالك لأمره في جميع الاحوال.
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الذرية مظهر من مظاهر المنح والمنع. والعطاء والحرمان. وهي قرينة من نفس الانسان. والنفس شديدة الحساسية بها. فلمسها من هذا الجانب أقوى واعمق. وقد سبق في السورة حديث الرزق بسطه وقبضه. فهذه تكملة في الرزق بالذرية. وهي رزق من عند الله كالمال والتقديم بان لله ملك السموات والارض .. هو المناسب لكل جزئية وكذلك (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) فهي توكيد للايحاء النفسي المطلوب (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُوَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) فهو يقدرها وفق علمه وحكمته. والمؤمن الصحيح هو الذي لا يقترح على ربه بالعطاء. ولا ينزعج من الحرمان. بل واجبة التسليم والتفويض لمن يعلم عواقب الامور وهو أرأف به من نفسه فالتفويض علامة الايمان. والذين يقترحون على خالقهم بالعطاء. او ينزعجون من الحرمان فهذا دليل على فقدان الايمان حتى ولو كانوا في معرفة احكام الله من اكبر المجتهدين. فمعرفة احكام الله شيء ومعرفة الله تعالى شيء اخر فمن عرف مولاه وهو عاقل يستحيل ان يقترح عليه بل عليه التسليم.