(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣))
البيان : يقطع هذا النص بانه ليس من شأن انسان ان يكلمه الله تعالى الا بما له من القابلية والاهلية فبواسطة طريقة مخلوقة يتصل الخالق بمخلوقه لان المخلوق غير قابل لغير ذلك فاذا أراد الخالق العظيم ان يخاطب عبده جعل له سببا يوصل اليه ما يريد ان يعرفه به سواء كان رسولا أو غير رسول وهنا أوضح مسألة الوحي للرسول (ع) ومالك تسأل عن أين. وكيف. وانت لا تملك ان تتصور الا حدود ذاتك المتحيزة القاصرة الفانية. بل أنت عاجز عن معرفة اشياء مخلوقة وهي بين يديك فأين روحك واين عقلك. واين نفسك واين ضميرك. لا يمكنك انكاره ابدا. فاذا قيل لك انت بلا عقل. بلا ضمير. بلا وجدان تغضب. واذا قيل لك اين هؤلاء تنكس رأسك قهرا.
(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) بمثل هذه الطريقة. وبمثل هذا الاتصال (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) فالوحي تم بطريقة معهودة. ولم يكن امرك بدعا. أوحينا اليك (رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) فيه حياة ويبث الحياة. ويدفعها وينميها في القلوب وفي واقع العمل المشهود.
(ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) هكذا يصور نفس رسول الله ص وآله. عن القرآن المجيد. وانما المقصود هو اشتمال القلب على هذه الحقيقة والشعور بها والتأثر بوجودها في الضمير. وهذا ما لم يكن قبل هذا الروح من أمر الله الذي لابس قلب محمد ص وآله (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ) وهذه طبيعته الخاصة. طبيعة هذا الوحي