من ورائه. وكلها حقائق عظيمة تكبر في القلب كلما تدبرها مجردا من وقع الاهواء والعادات التي تذهب بكل تحقيق وبرهان.
(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) الليلة المباركة هي ليلة القدر في شهر رمضان. وانها لمباركة حقا تلك الليلة التي يفتح فيها ذلك الفتح على البشرية. والتي يبدأ فيها استقرار هذا المنهج الالهي في حياة البشر. والتي يتصل فيها الناس بالنواميس الكونية الكبرى. مترجمة في هذا القرآن المجيد. ترجمة يسيرة. تستجيب لها الفطرة السليمة وتلبيها في هوادة. وتقيم على أساسها عالما انسانيا مستقرا على قواعد الفطرة واستجاباتها. متناسقا مع الكون الذي يعيش فيه. طاهرا نظيفا كريما بلا تعسف ولا تكلف. يعيش فيه الانسان على الارض موصولا بالسماء ، موصولين مباشرة بخالقهم العظيم. يطلعهم أولا بأول على ما في نفوسهم. ويشعرهم أولا بأول بان عينه عليهم. فعليهم أن يحسبوا حساب هذه الرقابة الهائلة. وحساب هذه الرعاية لهم في كل حركة وسكون. وفي كل هاجسة تخطر في ضمائرهم. ويلجأون اليه اول ما يلجأون في كل نائبة ونازلة. واثقين انه منهم قريب ولا ينفعهم سواه.
وقد مضى ذلك الجيل الذي نزل عليه هذا القرآن. وبقي كتابا مفتوحا موصولا. بالقلب البشري ، يصنع به حين ينفتح له قلبه فيصنع به الاعاجيب. ويحول مشاعره بصورة تحسب أحيانا بالمعجزات التي كان يظهر أنها من المستحيلات. هذا هو الكتاب المبين.
وبقي هذا القرآن المجيد ، منهجا واضحا كاملا. صالحا لانشاء حياة انسانية سعيدة نموذجية في كل زمان ومكان. حياة انسانية. تعيش في بيئتها وزمانها في نطاق ذلك المنهج الالهي المتميز الطابع.