الذي خلق له العقل والمدارك ثم هو يعطلها ولا يستفيد بها فهو اقبح من فاقدها من الأصل.
(إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) وهؤلاء هم الذين قد استحملوا مواهب الله تعالى وانتفعوا بها بما أراهم من عظيم آياته وفتحوا قلوبهم بواضح برهانه واسرعوا الى الاذعان لخالقهم العظيم. فزادهم نورا وهدى. وافاض عليهم من بركاته التي هي حياة القلوب ونورها. (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ. ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ..) انها جولة مديدة. يرون اوائلها في مشهود حياتهم. ويرون اواخرها مصورة تصويرا مؤثرا كأنها حاضرة امامهم. وهي جولة موحية لمن له قلب أو القى السمع وهو شهيد (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) ولم يقل ضعافا وانما قال ذلك لاهداف اسمى واعلا. كأن الضعف مادتهم الاولى التي صيغ منها كيانهم. والضعف الذي تشير اليه الآية ذو معان ومظاهر شتى في تكوين هذا الانسان الذي تارة يكون افضل من ملائكة السماء وأخرى يكون أحط وأخبث من هوام الارض وديدانها. وجيفها وتننها.
انه ضعف البنية الجسدية وهو فيها كلها واهن ضعيف. في حال الحمل وفي حال الطفولة وفي حال الصبا. وفي حال الفتوة. لأن كل من كان معرضا للبلاء والمصائب والفناء هو ضعيف بذاته وقد نقله في اطوار لا بد له بدون اختياران يمر بها. وفق علم وثيق وتقدير دقيق.(يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) ولا بد لهذه النشأة المحكمة المقدرة من نهاية كذلك مرسومة مقدرة حافلة بالحركة والحوار على طريقة القرآن المجيد (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) فهكذا يتضاءل في حسهم كل ما وراءهم قبل هذا اليوم. فيقسمون (ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) ويصرفون عن الحق والتقدير الصحيح حتى يردهم اولوا