(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) فهو فارق أصيل في الحالة التي عليها الفريقان. وفي المنهج والسلوك سواء. فالذين آمنوا (عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) رأوا الحق وعرفوه. واستيقنوا من صحة مصدره واتصلوا بربهم. فتلقوا عنه النور والهداية. وهم على يقين مما يتلقونه. غير مخدوعين ولا مضللين. والذين كفروا زين لهم سوء علمهم. فرأوه حسنا وهو قبيح وسيء.
(وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) بلا ضابط يرجعون اليه. ولا ميزان يزينون به صحيح ثابت. وليس لديهم نور من الحق حتى يتبين لهم الخبيث من الطيب. والهدى من الضلال.
(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها) ان هذه الصورة الحسية من نعيم دار الخلود ترد في موضع من القرآن. وقد تجيء معها صور معنوية مجردة. كما أن صور النعيم والعذاب ترد مجردة عن الحسيات. في مواضع أخرى. والله الذي خلق البشر. هو أعلم بمن خلق. وأعرف بما يؤثر في قلوبهم. وما يصلح لتربيتهم. والطبائع التي تلتقي كلها في فطرة الانسان. ثم تختلف وتتنوع بحسب كل فرد وما اختار لنفسه من هدى أو ضلال.
فهنالك ناس يصلح لتربيتهم ولاستجاشة هستهم للعمل وعدهم بان لهم انهار من ماء غير آسن. أو أنهار من لبن لم يتغير طعمه. أو أنهار من عسل مصفى. أو أنهار من خمر غير مسكر.
وهنالك ناس لا يفكرون بكل هذا همهم متعلق بالمناصب العالية عند خالقهم العظيم. حيث يرون نيلها باداء شكره. والتسليم له بكل ما يختار لهم مهما كان شكله ونوعه.
وهنا نوعان من الجزاء : هذه الانهار مع أكل الثمرات مع المغفرة