البيان : تبدأ السورة بتقرير مصدر الرسالة والعقيدة وتوكيده (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) فهذا المصدر الذي يتلقى منه الرسل التكليف كما يتلقون حقيقة العقيدة. وهو المصدر الذي صدر منه الوجود كله وصدرت منه الحياة. وهو الذي خلق البشر واودع فطرتهم الاستعداد لأن تعرفه وتعبده. فلما انحرفوا عنها وزاغوا ارسل اليهم رسله. يردونهم اليه ونوح (ع) كان اول هؤلاء الرسل ـ بعد آدم (ع) وآدم لا يذكر القرآن له رسالة بعد مجيئه الى هذه الارض. وممارسته لهذه الحياة. ولعله كان معلما لأبنائه وحفدته.
(أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) الحالة التي كان قوم نوح قد انتهوا اليها. من اعراض واستكبار وعناد وضلال ـ كما تبرز من خلال الحساب الذي قدمه نوح في النهاية ـ تجعل الانذار هو أنسب ما تلخص به رسالته. واول ما يفتتح به الدعوة لقومه.
الانذار بعذاب اليم. في الدنيا أو في الاخرة. أو فيهما جميعا.
(قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) مفصح عن نذارته. مبين عن حجته لا يتمتم ولا يتلعثم في دعوته. ولا يدع لبسا ولا غموضا في حقيقة ما يدعو اليه.
(يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وعلامة الاستجابة للدعوة عبادة الله تعالى وتقواه. وطاعة رسوله (ع) فهي المغفرة والتخليص من الذنوب التي سلفت. ثم بين لهم ان ذلك الاجل المضروب حتمي يجييء في موعده. ولا يؤخر عذاب الدنيا. وذلك لتقرير هذه الحقيقة الاعتقادية الكبرى (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وراح نوح (ع) يواصل جهوده لهداية قومه. ويحتمل في سبيل هذه الغاية النبيلة ما يحتمل من اعراض واستكبار واستهزاء. الف سنة الا