أسلوبية على ما جرى عليه النظم القرآني. وأن في القرآن ضوابط تجعل غفران الله ورحمته وهدايته للذين علم أنهم يستحقونها بعقائدهم ونياتهم وسلوكهم على ما نبهنا عليه في مناسبات عديدة سابقة (١) وإنه ما دامت حكمة التنزيل اقتضت أن يكون في القرآن مثل هذه الضوابط فمن الواجب الوقوف عندها دون جدل كلامي لا طائل من ورائه ولا ضرورة إليه. وفي كلام المفسر الخازن ما يتوافق كذلك مع هذا. والله تعالى أعلم.
ولقد عقد المفسر القاسمي نبذة طويلة في سياق الآية [٤٨] استقاها من كتب الإمامين ابن تيمية وابن القيم في مدى الشرك الذي لا يغفره الله ويخلد صاحبها في النار ، خلاصتها أن الشرك نوعان : شرك بالله في أسمائه وصفاته وأفعاله واتخاذ آلهة أخرى معه. وشرك به في المعاملة. ويدخل في الأول كل أنواع الشرك بما في ذلك إسناد الحوادث والتأثير لغير الله أو عبادة غير الله ولو للشفاعة ونيل الحظوة والقربى عند الله وتعطيل أسماء الله وصفاته. ويدخل في الثاني الحلف بغير الله والتوكل على غير الله والتوسل لغير الله والنذر لغير الله والتوبة لغير الله والخشية والرجاء من غير الله والاستنصار بغير الله إن كان يفعل ذلك باعتقاد تأثير هذا الغير. وفي هذا وذاك وجاهة متساوقة مع التقريرات القرآنية التي تتميز بها العقيدة الإسلامية على غيرها في توحيد الله جل جلاله توحيدا كلّه صفاء ونقاء وبعد عن كل شائبة وتأويل مهما كان ، وبأي اعتبار كان على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.
هذا ، ومع خصوصية الآيات الموضوعية والظرفية فإن فيها تلقينات أخلاقية مستمرة المدى في تقبيح التبجح والزهو بالنفس وحسد الناس ولا سيما حينما يكون الحاسد متمتعا بفضل الله بالسعة والرخاء. وسوء الأدب في الخطاب وغمز الناس والسخرية منهم والمكابرة في الحق رغم ظهور أعلامه وقيام حجته والارتكاس في شهادة الزور والتخلي عن المبادئ الإيمانية والدينية بسبيل كيد الخصم وأذيته والتآمر عليه.
__________________
(١) انظر تعليقنا في تفسير آيات الأعراف [١٥٦] والمدثر [٣٣] والإنسان [٣١] بنوع خاص.