أرادت السرية الإغارة عليهم أعلن إسلامه بدون الرجوع إلى أميره فاعترض الأمير ورفع الأمر إلى النبي فأجاز الإجارة مع التنبيه على أن لا يتكرر ذلك بدون علم الأمير. فنزلت الآية لتوطيد طاعة الأمير. ومن الروايات أن تمردا وقع من أفراد سرية على أميرها فشكى القائد إلى النبي فنزلت الآية بسبيل ذلك وبعض المفسرين (١) يعزون بعض هذه الروايات باستثناء رواية خالد بن الوليد إلى البخاري ومسلم والترمذي. ولم نجدها في الكتب التي بين أيدينا وخالد بن الوليد لم يكن أسلم في ظروف نزول الآية على ما نرجح ونخشى أن يكون اسمه قد أقحم لغرض دعائي لأن الرواية تذكر أنه اختلف مع عمار وصار بينهما تشاد وتشاتم وأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال من أبغض عمارا أبغضه الله ... والذي يتبادر لنا أن الآية في صدد أعم مما جاء في الروايات. وأنها هدفت إلى توطيد طاعة الله ورسوله وأولي الأمر على المسلمين بصورة عامة في مناسبة ما مما كانت حكمة التنزيل تقتضيه في العهد المدني بسبب تركيب المجتمع الإسلامي فيه على ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآيات الأولى من سورة الأنفال. ونرجح أن المناسبة التي نزلت فيها هي المذكورة في الآيات التالية لها على ما سوف نشرحه بعد بحيث يمكن أن يقال إن السياق واحد بل وإنه بدأ بالآية [٥٨] واستمر إلى الآية [٦٥] وهذا يبدو قوي الوضوح إذا ما أنعم النظر فيه. وبقطع النظر عن تعدد الروايات فإن ترجيحنا لا يمنع أن يكون وقع حادث اختلاف بين أمير سرية وأحد أفرادها أو جماعة منهم فرفع الأمر إلى رسول الله فتلا الآية بسبيل توطيد طاعة الأمير فالتبس الأمر على الرواة. والله تعالى أعلم.
والآية على كل حال جملة تشريعية تامة مثل سابقتها. وهذا ما جعلنا نفردها عن السياق أيضا. وإطلاقها يفيد كما هو المتبادر أن ما احتوته هو تشريع مستمر للمسلمين في كل ظرف ومكان.
والجمهور متفقون على أن طاعة الله تتمثل في طاعة القرآن والتزام ما فيه من
__________________
(١) انظر تفسير ابن كثير والقاسمي.