المبادئ والتلقينات والتوجيهات والخطوط العامة في كتاب الله وسنّة رسوله التي ذكرنا شمولها وسعتها. وفي هذه السورة هذه الآية (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ...) [٨٣] التي يمكن على ما يتبادر لنا أن يقال على ضوئها إن حل الأمور المتنازع فيها والتي يحتاج حلّها إلى اجتهاد لعدم ورودها محددة وقطعية في كتاب الله وسنّة رسوله يناط بأولي الأمر من المسلمين وأهل الحل والعقد والعلم منهم الذين يؤهلهم علمهم وعقلهم وتجربتهم وممارستهم لاستنباط الأحكام من مآخذها. واستلهام تلك المبادئ والتوجيهات والتلقينات والخطوط العامة في كتاب الله وسنة رسوله. وقد يصح أن نذكر جملة (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) في الآية [١٥٩] من سورة آل عمران وجملة (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) في الآية [٣٨] من سورة الشورى في هذا السياق. وهذا شامل لكل ظرف ومكان وشأن كما هو المتبادر.
وننبّه في هذه المناسبة على أن لعلماء الأصول في العصور الإسلامية الأولى تقريرات في الخطة التي ينبغي أن يسار عليها في حل ما ليس فيه في القرآن والسنة شيء صريح ومحدد يقوم على أساس حل ذلك وفقا لإجماع علماء المسلمين. وما لا يكون وما لا يمكن أن يكون فيه إجماع يسار فيه على مقتضى القياس على أمثال جرت في عهد النبي وخلفائه الراشدين. وما لا يكون فيه أمثال يسار فيه على الاستحسان أو الاستصلاح حسب الترتيب. مع واجب التنبيه على أن هذه التقريرات ليست مجمعا عليها حيث اختلف الأصوليون في إمكانية وواقعية الإجماع وحجيته. وفي الاعتماد على القياس وتعيين مداه أو التوسع فيه. وفي الاستحسان والاستصلاح وظروفهما ومبرراتهما. وهناك من قال بإمكانية وواقعية حجية إجماع صدر الإسلام أو أصحاب رسول الله فقط لأن مجتهدي هذا العهد وعلماءه قليلون والرقعة غير منبسطة في حين أن المسلمين تفرقوا في أبعاد شاسعة. وصارت واقعية الإجماع وإمكانيته متعذرتين.
وهذا الخلاف من جهة وما هناك من خلافات اجتهادية فما ليس فيه نصّ