والتسليم بأحكامه وبسبيل التنويه بمن يفعل ذلك والتنديد الشديد بالذين لم يفعلوا ذلك ووقفوا ويقفون مثل ذلك الموقف المكروه.
وهذا لا يمنع أن يكون للروايات أصل ما وأن تكون كل من الآيتين قد تليت في المناسبة المروية على سبيل الاستشهاد والتطبيق. والله أعلم.
هذا ، والتنويه بالذين يطيعون الله ورسوله في الآية الأخيرة بليغ المدى حيث يتضمن بشرى بأنهم سيكونون مع تلك الطبقة المصطفاة من عباد الله. وهذا أمر مفهوم لأن طاعة الله ورسوله تعني التزام كل أمر وكل رسم وكل حدّ وكل حثّ وكل نهي. وحينما يكون المرء على هذا القدر من الاستغراق يكون أهلا لتلك المرتبة. ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا نبويا فيه تقرير لهذا المعنى رواه الإمام أحمد عن عمرو بن مرة قال «جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال يا رسول الله شهدت أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله. وصليت الخمس. وأديت زكاة مالي وصمت شهر رمضان ، فقال رسول الله من مات على ذلك كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا ـ ونصب أصبعيه ـ ما لم يعقّ والديه».
ولقد وقف المفسرون عند كلمة (وَالشُّهَداءِ) في الآية وأوردوا بعض الأحاديث التي فيها طوائف عديدة تحسب في عداد الشهداء منها حديث رواه الشيخان والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله» (١). ومع ذلك فالمتبادر لنا أن الكلمة تعني الشهيد في سبيل الله في الدرجة الأولى. ويجيء بعد هذه الآيات فصل في الجهاد وحضّ على القتال في سبيل الله حيث يمكن أن يكون مناسبة أو تأييد ما لهذا الترجيح. والله أعلم.
ولقد وقفوا عند كلمة (وَالصِّدِّيقِينَ) وروى الطبري معنيين لها أحدهما أنها تعني اتباع الأنبياء الذين صدقوهم واتبعوا منهاجهم بعدهم حتى لحقوا بهم.
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ٢٩٦ والمطعون الذي يموت في الطاعون والمبطون الذي يموت بوباء البطن والهدم الذي يموت بانهدام سقف عليه على ما جاء في شرح الشراح.