ولم يرو المفسرون على ما اطلعنا عليه رواية خاصة في مناسبة نزول الآيات. والذي يتبادر لنا ويلهمه مضمونها وروحها أنها نزلت في ظرف أخذ يصل فيه إلى النبي أخبار عن اشتداد الأذى والضغط على المسلمين المستضعفين الذين تسلط عليهم أقاربهم في مكة ومنعوهم من الالتحاق بالنبي ، وقد ذكرت ذلك الروايات وذكرت أسماء بعضهم معا (١) ، فأخذ النبي يستثير حمية المسلمين إلى الجهاد في سبيل الله وسبيل إنقاذهم وإزعاج الكفار في مكة من أجل ذلك. ويظهر ـ وهو ما يلهمه مضمون الآيات ـ أن فريقا من المسلمين والمرجح أنهم من المنافقين ومرضى القلوب كانوا يقفون من ذلك موقف المعارض المثبط. فكان ذلك كله سبب نزول الآيات داعية حاثة مهونة منددة. وفي كل هذا صور من صور السيرة النبوية في العهد المدني.
وليس في الآيات ما يساعد على تعيين الظروف التي نزلت فيها الآيات وإن كان من الممكن أن يلمح فيها وفي الآيات التالية لها قرينة على أنها نزلت في وقت مبكر.
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإنها انطوت على تلقينات جليلة مستمرة وشاملة. وأوجبت على المسلمين واجبات دائمة واحتوت علاجا روحيا يمدهم بالقوة. فالجهاد ضد من يناصبهم العداء ويتربص بهم الدوائر واجب. والاستعداد له والحذر منه وعدم الاطمئنان بما يبدو منه أحيانا من سكون واجب. ومساعدة المسلمين لإخوانهم المستضعفين الذين توقعهم الظروف في أيدي الأعداء وتحكم البغاة والطغاة لتحريرهم منهم واجب. والتكاسل عن هذه الواجبات تقصير يسخط الله والتثبيط عنها إثم منكر عنده. والإقبال عليها عنوان على الإيمان والإخلاص والمقبلون عليها مؤيدون بنصر الله ونائلون للأجر العظيم عنده. وليس لأعدائهم قوة روحية تساعدهم على الصبر الدائم لأنهم يسيرون بوساوس الشيطان. وهذه
__________________
(١) مثل عياش بن ربيعة وسلمة بن هشام والوليد بن الوليد وأبو جندب بن سهيل. انظر تفسير الطبرسي لهذه الآيات وانظر تفسير ابن كثير للآيات [٩٧ ـ ١٠٠] من هذه السورة.