حكاية لأقوال المنافقين الذين كانوا ينكرون أن ما نالهم من خير هو من بركة هجرة النبي إليهم وينسبونه إلى الله حتى لا يعترفوا بفضل هذه الهجرة وليس عن إيمان صادق. وكانوا في نفس الوقت ينسبون ما يصيبهم من كوارث حربية وغير حربية إلى النبي وهجرته إليهم. فنددت الآية الأولى بأقوالهم وردت عليهم. ثم احتوت الآية الثانية تقريرا توضيحيّا وتعقيبيّا على ذلك. فما يصيب النبي أو الإنسان من خير وتوفيق فهو من فضل الله حيث يكون قد سار وفق توجيهه. وما يصيبه من شرّ فهو من نفسه حيث يكون انحرف عن هذا التوجه. وعلى هذا فلا يكون في الجملتين ما يفيد عدم مسؤولية الإنسان عن عمله وعدم تأثير تقصير الإنسان فيما يقع عليه أحيانا من مصائب ونوائب. وهذه النقطة بخاصة أكثر ما دار حولها الجدل. مع أن في القرآن المكي والمدني تقريرات عديدة صريحة ومحكمة في ذلك. وهي التي ينبغي أن تكون الضابط في ما تحتويه العبارة القرآنية في بعض الآيات من إطلاق وعدم حسم مما تكون اقتضته حكمة التنزيل وسياق الكلام وظروفه على ما نبهنا عليه في مناسبات كثيرة سابقة.
ولقد روى الطبري عن أهل التأويل أن كلمة (حَسَنَةٍ) في الجملة الأولى عنت ما كان يناله المقاتلون من غنائم ونصر ورخاء وأن كلمة (سَيِّئَةٍ) فيما عنت ما كان ينالهم من شظف وهزيمة وجراح. وكانوا يقولون إن ما ينالهم من هذا هو من سوء تدبير النبي ومن ذاك هو من فضل الله ولا أثر للنبي فيه. وأن الآية بسبيل الرد عليهم وتسفيههم. كما روى قولهم أن الجملة الثانية إما أن تكون موجهة للسامع مطلقا أو للنبي صلىاللهعليهوسلم لتؤذنه بأن ما يصيبه من خير هو من فضل الله وما يصيبه من شرّ هو عقوبة على ما اجترحت يداه.
وهذا التأويل يدعم ما قلناه من أنه ليس في الآيات تناقض ولا تتحمل في مقامها جدلا مع التنبيه على أن جملة (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) تجعل الخطاب للنبي في الجملة الثانية هو الوارد.
وقد جاء في آية آتية بعد هذه الآيات بيان تنديدي بالمنافقين فيه تنبيه على أنه