الإيمانية والأخلاقية والاجتماعية متساوقة متطابقة تامة الانسجام والأحكام ، ليس بينها اختلاف وتناقض. وما قد يراه من تنوع وتبدل لا يعدو أن يكون أسلوبيا وصورا تطورية وخطوات تشريعية اقتضتها ظروف الدعوة وسيرها وظروف المجتمع الذي نزلت فيه لأول مرة واقتضتها كذلك أهداف التدعيم. وليست هذه مع ذلك متناقضة أو جامدة لتكون محل تطبيق في الظرف الذي نزلت فيه فقط ، وهي في الوقت نفسه متساوقة مع الأسس والأهداف والمبادئ.
ومن الأمور الهامة في هذا الأمر وجوب اعتبار القرآن كلا متكاملا يوضح بعضه بعضا ويتمم بعضه بعضا ويعطف بعضه على بعض. والناظر فيه إذا استوعب كل ما فيه واجد لكل ما قد يبدو له موهما تفسيرا ولكل ما قد يبدو له ناقصا تتمة ولكل ما قد يثير الحيرة تأويلا ويلمس بالتالي المعجزة الكبرى التي فيها مصداق الآية الكريمة ولقد اهتممنا بهذه المسألة في مناسبات كثيرة مرّت في السور التي سبق تفسيرها ففسرنا بعض الآيات ببعض وعطفنا بعضها على بعض وأتممنا بعضها ببعض فأثبتنا بالنصوص ما قررته الآية. ومن واجب المسلم على كل حال أن يؤمن بالآية. فإذا لم يستطع أن يستوعب القرآن ولم يتبين له تأويل لما قد يتوهمه أو ما يظنه مشكلا في إحدى الآيات فعليه أن يسأل أهل العلم المستوعبين أو يكل الأمر إلى الله تعالى ولا يجوز له أن يظن أن في القرآن اختلافا وتناقضا.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية أحاديث نبوية عديدة أوردناها في سياق تفسير آية المحكمات والمتشابهات في سورة آل عمران تذكر غضب رسول الله من الجدل في القرآن وتنهى عن ضرب بعضه ببعض وتقرر أن الله إنما أنزله ليصدق بعضه بعضا وتأمر بإيكال ما لم يتبين لناظره الوجه الحق لتأويله وحكمته إلى الله تعالى. حيث ينطوي فيها تلقين نبوي يجب الالتزام به وتأييد لما قررناه آنفا.
(وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ