ولعلّ فيما هو منتشر في الأمم والبلاد التي تجعلها شرائعها تقتصر على زوجة واحدة من الشذوذ والتحايل على هذه الشرائع ونقضها بمختلف الأشكال ومن جملة ذلك استباحة الأعراض المحرمة والسفاح والتخالل السري والعلني دليلا حاسما على حكمة التشريع الإسلامي (١).
ومما يحسن التنبيه عليه في هذا المقام أنه ليس في الآية إيجاب للتعدد وإنما فيها تحديد لإباحة مطلقة كانت واقعة وسائغة. فضلا عما احتوته من توكيد بالعدل وإيجاب للاقتصار على واحدة إذا غلب احتمال الجور.
وهناك نقطة يتناولها الباحثون. وهي كيفية تنظيم التعدد. فبعضهم يرى إناطة الأمر بالقضاء الذي يكون عليه التثبت أولا من الحاجة والضرورة وثانيا من قدرة الرجل على الإنفاق والإقساط وعدم قصد المضارة. فإذا ثبت له ذلك أجاز الزواج الجديد وإلّا منعه. وبعضهم يرى أن الآيات القرآنية قد جعلت تقدير ذلك منوطا بالرجل وحذرته وأنذرته بحيث يكون مخالفا لتلقينات القرآن إذا ما أقدم على التزوج من جديد دون أن يكون متيقنا من استطاعته على الإنفاق وعلى الإقساط والعدل.
ونحن إذ نذكر أن المسلمين كانوا يرفعون مشاكلهم في الحياة الزوجية من نكاح وطلاق ورضاع وحضانة وشقاق ومضارة إلخ إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وإلى خلفائه الراشدين من بعده فيقضون فيها في نطاق كتاب الله وسنة رسوله ساغ أن يقال إن أولي الحلّ والعقد من المسلمين وأولياء أمورهم إذا رأوا أن يكلوا أمر التثبت من قدرة الرجل على التعدد وحاجته إليه إلى القضاء وإناطة ذلك به فيكون ذلك صحيحا. وليس في الكتاب والسنة ما يمنعه ، وقد أخذت بعض الحكومات الإسلامية تسير عليه (٢).
__________________
(١) انظر تفسير الآية في المنار حيث ساق الإمام رشيد رضا له وللإمام محمد عبده من الأقوال والتعليلات ما فيه الحجة المقنعة التي لا يماري فيها منصف وعاقل. وهي في جملتها متسقة مع ما قررناه.
(٢) ممن عرفنا منها الحكومة التونسية.