على أن هناك أسلوبا آخر مستلهما من تلقينات القرآن قد يسدّ الثغرة أيضا. فالحالة إما أن تكون برضاء الزوجة القديمة وعلم من الزوجة الجديدة بكون الزوج متزوجا أو لا تكون القديمة راضية أو الجديدة عالمة. فإن كانت الأولى راضية والجديدة عالمة لا يكون إشكال. وكل ما في الأمر وجوب التزام الزوج العدل وعدم الميل الشديد حسب تلقينات كتاب الله وسنة رسوله. أمّا إذا لم تكن القديمة راضية ورأت في ما يريده زوجها أن يقدم عليه ضررا عليها وتحميلا لنفسه ما لا طاقة لها به فيكون الموقف موقف شقاق ويصبح لها الحقّ في رفع أمرها إلى الحاكم ليحل ذلك وفقا للآية [٣٥] من هذه السورة وفي نطاق ما سوف نشرحه من مداها بعد. وهذا ما تستطيع المرأة الجديدة أن تفعله أيضا إذا لم تكن عالمة بزواجه وكان قد غرر بها. والله تعالى أعلم.
ولقد قال بعض المفسرين عزوا إلى بعض التابعين (١) : إن (تَعُولُوا) في الآية من (عال) بمعنى صار فقيرا وإن معنى الجملة (لئلا تفقروا من كثرة الأولاد والعيال) ولقد وردت كلمة (عائِلاً) في سورة الضحى بمعنى فقير (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) ووردت كلمة (عَيْلَةً) بمعنى الفقر في سورة التوبة (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ...) غير أن جمهور المفسرين (٢) على أنها بمعنى (لئلا تجوروا ولا تميلوا) وإن الكلمة من (عال) بمعنى جار أو مال. وهذا مما هو وارد في معاجم اللغة وكتبها. ونقد بعضهم (٣) القول الأول لغويا وصرفيا. وروح الآية ومضمونها يلهمان وجاهة تأويلها بمعنى الجور والميل أكثر.
ويمكن أن يقال أيضا في توجيه هذا التأويل إنه لو كان القصد تفادي الفقر بسبب كثرة العيال والنفقة عليهم لما أبيح استفراش الإماء بدون قيد وشرط في نفس الآية كبديلات عن الزوجات. فهنّ في هذا سواء والحرائر في الطبيعة الجنسية.
__________________
(١) انظر تفسير الطبري.
(٢) انظر أيضا الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والزمخشري والطبرسي.
(٣) انظر الطبرسي والخازن والزمخشري.