الطبري الشفاعة الحسنة إلى الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله ضد الكفار الأعداء ، والشفاعة السيئة إلى موالاة الكفار ضد المسلمين. والذي يتبادر لنا أن الآية قد جاءت معقبة على الآيات السابقة. وأن القصد من الشفاعة الحسنة هو الدعوة إلى الجهاد وتعضيده والإقدام عليه ، ومن الشفاعة السيئة التثبيط عنه والمعارضة فيه. وهذا وذاك كان من متناول الآيات السابقة تنويها وتنديدا. ويأتي بعد الآية التالية لهذه الآية آيات فيها حملة وتحريض على المنافقين موضوع الكلام السابق حيث يؤيد هذا ما قلناه من صلة الآية بالسياق السابق وكونها استمرارا له.
ولقد رأينا رشيد رضا يذكر وجها آخر لتأويل الآية وهو أن من المحتمل أن يكون بعضهم اعتذر عن المنافقين الذين يقفون من الدعوة إلى الجهاد موقف المثبط والمتثاقل. أو يكون بعضهم تشفعوا فيهم فنزلت الآية لتنبههم إلى أن لكل صاحب شفاعة نصيبا من مدى شفاعته. من يشفع في مقام فيه خير ومصلحة يكن مصيبا وله الحسنى. ومن يشفع في مقام فيه شرّ وضرر لمصلحة المسلمين يكن مخطئا وعليه وزر ذلك. ولا يخلو هذا من وجاهة. وهو متصل بمدى الآية وشرحنا لها. ويجعل الاتصال بينها وبين ما قبلها قائما أيضا.
وينطوي في الآية تلقين مستمر المدى بتجنيد كل دعوة إلى الخير والسعي فيه وتقبيح كل دعوة إلى الضرر والسعي فيه ، وتبشير لفاعلي الخير والساعين فيه والداعين إليه وإنذار لفاعلي الضرر والساعين فيه والداعين إليه.
ولقد اعتبر المفسرون الآية كما قلنا في صدد الشفاعة أي الوساطة بين الناس في قضاء مصالحهم وتجنيبهم ضرر بعضهم. والعبارة القرآنية بإطلاقها تتحمل هذا أيضا. ولقد أوردوا في سياق ذلك حديثا نبويا فيه حثّ على الشفاعة بين الناس جاء فيه عن أبي موسى قال «جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يسأل فأقبل علينا بوجهه وقال : اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء» (١).
__________________
(١) انظر تفسير الآيات في الخازن وابن كثير وقد روى هذا الحديث البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي بزيادة مهمة وهذا هو نصه «عن أبي موسى عن النبي قال المؤمن للمؤمن كالبنيان