وحديث رابع رواه مسلم عن جابر قال «أتى النبيّ رجل فقال يا رسول الله ما الموجبتان فقال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار» (١) ولقد أورد الشيخان تتمة للحديث الذي روياه عن سعيد بن جبير جاء فيه أن هذا ذكر لمجاهد وهو من كبار التابعين ومفسريهم ما سمعه من ابن عباس فقال «إلّا من ندم» (٢).
ومع ما لكل من القولين من وجاهة على ضوء الأحاديث التي يستند إليها أصحابها فإنه يتبادر لنا على ضوء ما أوردناه في تعليقنا على موضوع التوبة في سورة البروج أن القول الثاني أكثر وجاهة. وبخاصة إذا تاب القاتل ونفذت فيه عقوبة القصاص أو عفى عنه أولياء القتيل أو قبلوا الدية منه. وهذا نراه أمرا جوهريا وأساسيا لأن آيات عديدة من آيات التوبة شرطت الإصلاح مع التوبة. وهذا من هذا الباب. مع التنبيه إلى ما قلناه قبل من أن هدف الآية الرئيسي هو تغليظ جريمة قتل المؤمن عمدا وإثمها عند الله. ولقد روى أصحاب المساند الخمسة حديثا نبويا عن ابن عباس جاء فيه «لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن ولا يقتل وهو مؤمن» وزاد أبو هريرة في روايته لهذا الحديث «والتوبة معروضة بعد» (٣) فلعلّ في هذا الحديث وتتمته المروية عن أبي هريرة توفيقا بين القولين. فمن استحلّ القتل صار كافرا وخلّد في النار. ومن لم يستحلّه ثم ندم وتاب وأصلح فلا يخلّد في النار. والله أعلم. بل ولعل الله لا يعاقبه بالنار إذا نفذ فيه القصاص أو عفى عنه ولي القتيل أو قبل منه الدية وتاب إلى الله. ولقد روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والدارقطني حديثا عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «من أذنب ذنبا في الدنيا فعوقب عليه فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده ومن أذنب ذنبا في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود عليه في شيء عفا
__________________
(١) التاج ج ١ ص ٢٦ ـ ٢٨.
(٢) التاج ج ٤ ص ٨٤.
(٣) التاج ج ١ ص ٥.