أنه كان بينه وبين القتيل إحنة في الجاهلية. وإحدى الروايات فقط رواها الشيخان والترمذي وأبو داود عن ابن عباس بهذا النصّ «مرّ رجل من بني سليم على نفر من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ومعه غنم فسلّم عليهم فقالوا ما سلّم عليكم إلّا ليتعوّذ منكم فقاموا فقتلوه وأخذوا غنمه فأتوا بها رسول الله فنزلت الآية» (١).
وهناك حديث يرويه مسلم وأبو داود عن أسامة فيه حادث مشابه ولكن لا يذكر أن الآية نزلت فيه جاء فيه «قال أسامة بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم سريّة إلى الحرقات فنذروا بنا فهربوا فأدركنا رجلا فلما غشيناه قال لا إله إلّا الله فضربناه حتى قتلناه فذكرت ذلك للنبي فقال من لك بلا إله إلّا الله يوم القيامة فقلت يا رسول الله إنما قالها مخافة السلاح. قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا. من لك بلا إله إلّا الله يوم القيامة. فما زال يقولها حتى وددت أني لم أسلم إلّا يومئذ (٢)» وبقطع النظر عن التعدد والتباين في الروايات فإن الآية متسقة مع ما جاء فيها بحيث يسوغ القول إن حادثا مما ذكر فيها كان سبب نزول الآية.
ويبدو شيء من التناسب الموضوعي بينها وبين الآيات السابقة لها. فإما أن تكون نزلت بعدها فوصفت في ترتيبها وإما أن تكون نزلت لحدتها فوصفت في ترتيبها للتناسب الموضوعي.
والآية في حدّ ذاتها جملة تشريعية تامة. وقد احتوت حكما محكما رائعا وتلقينا جليلا ودرسا وتوجيها بليغين مستمري المدى في كل ظرف ومكان من مداهما أنه لا ينبغي أن تكون الغنائم هدفا جوهريا من أهداف الجهاد أولا ويجب أن يقبل من الناس ثانيا ظواهرهم إذا لم يكن هناك ما يكذبها فعلا وبخاصة دعوى السلام والإسلام والمسالمة. وإيذان بأن الإسلام أو المسالمة ثالثا هما المطلوبان من كل كافر فإن تحققا امتنع سواغ القتل والقتال. ويظل كل هذا متلألئا في غرة الشريعة الإسلامية على مدى الدهر.
(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ٨٤ و ٨٥.
(٢) انظر المصدر نفسه ص ٣٢١.