السبيل فيكون قد حقّ على الله أجره وهو الغفور الرحيم.
ومع واجب الإيمان بما حكته الآية الأولى مما سوف يكون من حوار بين الملائكة والمتخلفين عن الهجرة بدون عذر فإن قصد التثريب والإنذار من الحكمة الملموحة فيها.
والآيات فصل جديد. والتناسب مع ذلك ملموح بينها وبين السياق السابق. فإما أن تكون نزلت بعد الآيات السابقة لها فوضعت في ترتيبها للتناسب الموضوعي والظرفي وإلّا فتكون وضعت فيه للتناسب الموضوعي.
وقد روى المفسرون (١) روايات عديدة في صدد الآيات. فرووا أن الآية الأولى نزلت في حق أشخاص كانوا أسلموا وبقوا في مكة وكانوا يكتمون إسلامهم وقد اشتركوا مع المشركين في وقعة بدر ومنهم من قتل ومنهم من أسر في هذه الوقعة. ورووا في سياق ذلك أن العباس عمّ النبي وعقيلا ابن عمه كانوا ممن خرجوا مع المشركين وأسروا ، ولم يقبل الله عذرهم حين اعتذروا بأنهم مستضعفون ومغلوبون على أمرهم. وأن العباس قال لرسول الله لما طلب منه الفداء عنه وعن عقيل : كيف ذلك ونحن نصلي قبلتك ونشهد بشهادتك ، فقال له : إنكم خاصمتم فخصمتم ثم تلا الآية. وهذا يعني أن الآية نزلت قبل وقعة بدر ، وهو في اعتقادنا بعيد الاحتمال. وهناك رواية أخرى يرويها المفسرون في صدد الآية وهي أنها في حق الذين تخلفوا عن الهجرة إلى المدينة من مكة بدون عذر وبقوا وماتوا فيها. وفي فصل التفسير من صحيح البخاري حديث عن ابن عباس جاء فيه «إن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأتي السهم أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل الله (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الآية. ثم خفف الله تعالى عن الضعفاء ، الذين مع المشركين فقال (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩)) وقال ابن عباس : كنت أنا وأمي من
__________________
(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والطبرسي والبغوي والخازن وابن كثير.