ولقد أوردنا في سياق تفسير آيات سورة مريم طائفة من نصوص الأناجيل المتداولة التي فيها تطابق وتساوق مع ما قررته الآيات القرآنية عن شخصية عيسى ودعوته مع تعليقات وافية على هذا الأمر فنكتفي بهذا التنبيه دون التكرار. وإن كان من شيء نزيده هنا هو أن الأناجيل الأربعة المتداولة التي يعترف بها النصارى والتي تروي أقوالا عن عيسى عليهالسلام لا تنسب عقيدة التثليث إليه بل وليست هذه العقيدة واردة فيها بصراحة وحبك. وكل ما فيها ألفاظ الأب والابن وروح القدس بدون جمع وحبك. وإن العقيدة حبكت بشكلها الذي يدين به النصارى اليوم في المجامع الدينية التي كانت تنعقد في زمن الدولة الرومانية بسبب الاختلافات التي كانت تنشب بين رجال الدين النصراني حول مدى هذه الألفاظ. وفي تفسير المنار لرشيد رضا فصل في عقيدة التثليث في سياق تفسير الآيات أورد فيها أقوالا عديدة لعدد من الباحثين في تقرير كون عقيدة التثليث ليست جديدة ونتيجة لما كان من تأويلات لأقوال عيسى المروية في الأناجيل بل هي قديمة تداولتها الأمم قبل النصرانية بقرون كثيرة حيث كانت عند المصريين والفرس والبراهمة والبوذيين (١). وقد تسربت إلى المسيحية من طريق الرومان الذين كان لهم الحكم في بلاد الشام في وقت ظهور المسيح وبعده إلى أمد طويل فنكتفي بالإشارة إلى ذلك.
وفي كتاب العقائد الوثنية في الديانة النصرانية لطاهر التنير فصول عديدة مستندة إلى مدونات قديمة وحديثة غريبة كتابها ممن ينتسبون إلى النصرانية أصلا في قدم عقيدة التثليث والفداء والقيامة من الموت وتجسد الإله في ناسوت والصلب ومعجزة الولادة بدون مسّ إلخ بسبيل تقرير كون هذه العقائد مما تسرّب إلى النصرانية من العقائد القديمة فنكتفي بالإشارة إلى ذلك كذلك.
ومن العجيب أن يتخطى المبشرون النصارى كل هذه الحقائق ويتجاهلونها
__________________
(١) نضيف إلى هذا أن في عقائد الآراميين والآشوريين والبابليين والكنعانيين في بلاد الشام والسبئيين والمعنيين في اليمن شيئا من ذلك حيث كان عندهم ثالوث مؤلف من القمر كزوج والشمس كزوجة وعشتار كابن لهما انظر الأجزاء ١ و ٢ و ٣ و ٤ من كتابنا تاريخ الجنس العربي.