إثارة الخوف في نفوسهم منها حتى يرعووا عن موقفهم قبل دمغهم دمغا لا يبقى بعده لهم مخلص من جهة أخرى.
وهذا وذاك يلهمان أولا أن من المنافقين من استطاع أن يخفي حقيقة أمره على بعض المسلمين على الأقل. وفي سورة التوبة آية صريحة بذلك بل وبكون بعض المنافقين استطاعوا إخفاء حقيقة أمرهم على النبي صلىاللهعليهوسلم وهي (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١)) وثانيا أن المنافقين كانوا يحذرون أن يعرف نفاقهم ويتحاشون الفضيحة به ويحاولون تأويل مواقفهم. وقد حكت ذلك آيات عديدة منها آية سورة المنافقون هذه (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١)) ومنها آية سورة التوبة هذه (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦)) وآية سورة التوبة هذه (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) [٧٤].
والنفاق في حد ذاته يتضمن هذا القصد. فالمنافق كافر وغير مخلص ولو لم يخش الفضيحة والأذى لظهر على حقيقته بدون مواربة. ومع ذلك فلعل من الصواب أن يقال إن الحذر في المنافقين قد اشتد بعد توطد مركز النبي في المدينة وبخاصة بعد تطهيرها من اليهود إجلاء وتنكيلا.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس والضحاك في سياق الآية الثانية أن الله سبحانه عرفه إياهم في سورة التوبة حيث أوحى له (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) [الآية : ٨٤] و (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) [الآية : ٨٣].
غير أن الآية [١٠١] من سورة التوبة التي أوردناها والتي يلهم سياقها أنها نزلت بعد هاتين الآيتين صريحة النصّ كما قلنا بأن النبي صلىاللهعليهوسلم كان لا يعرف بعضهم. ومع ذلك فإن الآية التي نحن في صددها تلهم أن المنافقين مهما حاولوا التستر فإن