الكفار إلى الصلح والمسالمة وتوجب عليهم عدم التهاون في قتالهم إلى أن يسلموا. ومنهم من قال إنها تأمر المسلمين بذلك في حال تفوقهم وعلوّهم على الكفار ولا تمنعهم من مصالحتهم وموادعتهم إذا كانوا متفوقين عليهم ، واستدل على ذلك بصلح النبي لقريش في الحديبية. ومنهم من قال إنها تأمر بأن لا يضعفوا ويتهاونوا في حرب الكفار ولا يكونوا بادئين في طلب الموادعة والمسالمة.
والذي يتبادر لنا أنها تأمرهم بعدم الضعف والتراخي في الجهاد والجنوح إلى موادعة الكفار المعطلين المشاقين أو إهمال شأنهم تفاديا من تضحيات الجهاد ونتائجه. وتطمئنهم بأنهم هم الأعلون المفضلون المنصورون وأن الله معهم. ولن يخذلهم ويضيع أعمالهم. ومن كان هذا شأنه فلا يليق به أن يضعف ويتراخى في مكافحة المعتدين الصادين عن سبيل الله. وهذا التأويل هو المتسق مع روح الآيات القرآنية الجهادية عامة ومع روح الآيات وروح آيات السورة معا مع التنبيه على أنه ليس في الفقرة نهي عن الجنوح إلى السلم إذا جنح لها الأعداء من الكفار وكانوا صادقي الرغبة في الانتهاء من موقف العداء والبغي. وآية سورة الأنفال هذه (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [٦١] مما يؤيد ذلك.
والآية بهذا الشرح الذي نرجو أن يكون هو الصواب تحتوي تلقينا مستمر المدى سواء أفي تهوين شأن الأعداء أم في الحثّ على عدم التهاون معهم والغفلة عنهم أم في حظر بثّ روح التراخي والضعف في ظروف النضال وواجباته. أم في تلقين كون المسلمين هم الأعلون لأنهم أولياء الله المجاهدون في سبيل دينه وأن من واجبهم أن يدركوا ذلك وأن يحتفظوا بهذه الكرامة التي كرّمهم الله بها وجعلهم أهلا لها بالإضافة إلى ما فيها من وعد الله لهم. بمكافأتهم على أعمالهم مهما كانت النتائج وما يبثّه هذا الوعد من ثقة فيهم.
(إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ