[١٥ / ١٦] من سورة النساء خطوة أولى في صدد الزناة على ما مرّ شرحه. والمتبادر أن حكمة التنزيل التي اقتضت أن تكون الخطوة الأولى ما ورد في تلك السورة رأت الوقت قد حان للخطوة الثانية التي احتوتها الآية الثانية. ولعل أحداثا وقعت فكان ذلك المناسبة. ولقد كان النساء اللاتي يأتين الفاحشة يحبسن في بيوتهن وقتا للخطوة الأولى إلى أن يتوفاهنّ الموت أو يجعل الله لهنّ سبيلا بناء على ما جاء في آيتي سورة النساء. ومن المحتمل أنه صار شيء من الحرج في صدد ذلك. وقد روى حديث نبوي سنورد نصه بعد قليل جاء فيه «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهنّ سبيلا ...» مما قد يكون فيه تفسير أو تأييد لما نقول.
وجمهور المفسرين (١) وأئمة الفقه مجمعون على أن الحد المذكور في الآية الثانية على العزاب غير المتزوجين مع زيادة مختلف عليها وهي «نفي سنة» حيث يأخذ بها بعضهم دون بعض. وأن الحد الشرعي على المحصنين المتزوجين هو الرجم حتى الموت مع زيادة مختلف عليها كذلك وهي مائة جلدة قبل الرجم. ويستندون في ذلك إلى أحاديث عديدة. ومن جملتها أحاديث مروية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تفيد أن الرجم حكم قرآني نسخ تلاوة وبقي حكما.
من ذلك حديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن عبادة بن الصامت عن النبي صلىاللهعليهوسلم ـ وهو الذي أشرنا إليه قبل قليل قال «خذوا عنّي. قد جعل الله لهنّ سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة. والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» (٢). وحديث ثان رواه الخمسة عن عبد الله عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس والثيّب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة» (٣). وحديث ثالث رواه البخاري والنسائي عن زيد بن خالد قال «سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يأمر في من زنى ولم
__________________
(١) انظر كتب تفسير الطبري والطبرسي والبغوي والخازن وابن كثير والزمخشري والنيسابوري والنسفي.
(٢) التاج ج ٣ ص ١٧ و ٢٢.
(٣) المصدر نفسه.