ومع ذلك فهناك ما يمكن أن يقال أيضا : فإن آية النساء [٢٥] ذكرت أن حدّ الأمة إذا زنت بعد إحصانها هو نصف حدّ المحصنة. وعبر عن الحدّ في هذه الآية (بالعذاب) ولما لم يرد في القرآن حدّ قابل للتنصيف إلّا ما ذكر في آية النور فالمعقول أن تكون آية النساء قد نزلت بعد هذه الآية وعطفت عليها. والجمهور على أن حدّ الأمة المحصنة هو خمسون جلدة. وهذا ثابت في أحاديث أوردناها في سياق تفسير الآية المذكورة. وهذا يقتضي أن يكون (الجلد مائة) هو المحكم القرآني للزانية المحصنة الحرة. وما يجدر بالذكر أن الذين أجمعوا على صحة حكم الرجم وجدوا إشكالا في هذا الأمر فقالوا إن حد الأمة المحصنة هو نصف الحد الوارد في آية النور وهو خمسون جلدة وعلّلوا ذلك بأن حدّ الرجم لا يتنصف. والتعليل وإن كان معقولا فإن النقطة التي تلفت النظر في الأمر هي أن حد الأمة مستند في أصله إلى تشريع قرآني قائم في آيتي النساء والنور. ومن ناحية ثانية فإن المتبادر المعقول أن يكون حديث عبادة بن الصامت قد صدر قبل نزول آية النور بإلهام رباني للإجابة على سؤال أو رفع الحرج وإنهائه عن إمساك النساء في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا لأنه لا تفهم حكمة صدوره في نفس الوقت الذي نزلت فيه الآية لأنها احتوت الحكم الموعود. ولا تفهم حكمة الزيادة على ما احتوته. ولا تفهم حكمة صدوره بعبارته المروية بعد نزولها لأن ما أريد التنبيه إليه قد نزل قرآنا. فإذا صحّ ما نقول تكون الآية قد نسخت من التشريع النبوي السابق عليها ما زاد على ما احتوته من تشريع عام للزناة إطلاقا بدون تفريق بين محصنين وأبكار وهو جلد مائة جلدة. دون تغريب سنة لغير المحصن والرجم للمحصن. وهذا ما قد يحمل على الظن بأن الأحاديث الأخرى التي تعين الرجم للزناة المحصنين والتي ذكرت بعض وقائع رجمهم هي الأخرى قد صدرت قبل آية النور. وفي حديث رجم ـ ماعز ـ نقطة هامة وهي قول النبي صلىاللهعليهوسلم لمن أخبره بما كان من فراره وملاحقته وضربه حتى مات : «هلا تركتموه» حيث يفيد هذا أنه كان يودّ لو اكتفي بما وقع عليه من رجم وتركه حينما فرّ دون أن يموت.