وواضح أن هدف الآية هو تنبيه النساء المسلمات إلى وجوب الغضّ من أبصارهن نحو الرجال بسبيل تجنب الإغراء والتورط في الإثم. وإلى الاحتشام في اللباس وعدم التبذل في كشف ما لا يأتلف مع واجب الحياء وفيه إغراء للرجال وتوريط أمام غير المحارم.
وهكذا تكون الآية قد احتوت تقرير كون المرأة في الخطاب القرآني التشريعي الاجتماعي والتأديبي أيضا طرفا مسؤولا مثل الرجل كما هو شأنها في الخطاب التشريعي المالي والسياسي والتعبدي والقضائي والشخصي. وما قلناه في سياق الآية السابقة من سواغ تبادل النظر والكلام وكون القصد من جميع الأمر بالغض وحفظ الفروج هو النهي عن النظرة الأثيمة الشهوانية قال هنا أيضا فلا حاجة إلى التكرار.
وجملة (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) تعني كما هو المتبادر ما جرت العادة على ظهوره مثل الوجه والكفين على ما قاله بعض المفسرين ومثل الخاتم والخضاب والكحل والثياب وظهر الكفين بالإضافة إلى الوجه والكفين على ما قاله بعض آخر عزوا إلى بعض أصحاب رسول الله والتابعين.
وليس بين هذا وبين ما جاء في سورة الأحزاب من تناقض سواء منه ما كان في حقّ نساء النبي صلىاللهعليهوسلم خاصة بما في ذلك تعبير (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أم ما كان في حقّ جميع نساء المسلمين من الأمر بإدناء الجلابيب على ما شرحناه في سياق السورة المذكورة.
ولعلّ في أمر الرجال في الآية السابقة بالغض من أبصارهم دلالة قوية على ما كان جاريا سائغا وعلى ما في الآية من مفهوم وتسويغ ببروز المرأة سافرة الوجه واليدين أمام الناس زائرة ومزورة وساعية في أسباب الرزق والعمل والتصرفات المباحة لها والواجبات المطلوبة منها. والعلماء متفقون على أن وجه المرأة ويديها ليست عورة استدلالا من هذه الآية. وليس هناك أي أثر نبوي بستر المرأة لوجهها ويديها في الصلاة أو غيرها. وهناك نهي نبوي عن ذلك في إحرامها على ما جاء في حديث ابن عمر الذي أوردناه قبل.