ونلاحظ أن الرواية الأولى قد رويت في مناسبة آيات سورة النساء [٦٠ ـ ٦٥] وأن كعب بن الأشرف قد قتل على ما ترويه روايات السيرة في الشهر الخامس والعشرين من الهجرة النبوية إلى المدينة (١) بينما نخمن أن هذه الآيات نزلت بعد ذلك بمدة طويلة. والرواية الثالثة لا يمكن أن تصدق لأن عثمان أنزه وأجل من أن يسمع لابن عمه في النبي وعليّ ، أو أن يعرض عن التحاكم إلى النبي ويخاف حيفه. والآية تندد بالمعرض عن هذا التحاكم الذي لا يمكن أن يكون إلّا منافقا. وهي بعد من مرويات الشيعة (٢) الذين يجعلون عثمان في زمرة من يطعنون بهم ويجرحونهم من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورضي الله عنهم.
وتبقى الرواية الثانية التي قد تتسق مع فحوى الآيات. على أنه يتبادر لنا مما تلهمه روح الآيات وفحواها أولا ، وروح الآيات التالية وفحواها ثانيا ، أنها بسبيل التنديد بصورة عامة بفريق من المسلمين كان يبدو منه مواقف لا تتفق مع الإيمان والإخلاص أكثر منها بسبيل حكاية موقف أو حادث خاص. وهذا لا يمنع أن تكون حدثت حادثة من نوع ما روته الرواية الثانية فاتخذت وسيلة للتنديد القوي بهذا الفريق على مواقفه التي لا تصدر إلّا من مرضى القلوب المرتابين في عدل الله ورسوله. ومع أنه لم يرد في الآيات لفظ (المنافقين) فالوصف يمكن أن ينصرف إليهم وبخاصة إن تعبير (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) استعمل في مناسبات عديدة في وصف المنافقين أو جاء كمرادف لهذا الوصف على ما مرّ منه أمثلة عديدة.
والآيات وهي تندد بهذا الفريق وتذكر مواقفه المخامرة وتنوه بالمؤمنين المخلصين وواجبهم تستهدف كما هو المتبادر توطيد سلطان النبي صلىاللهعليهوسلم القضائي والسياسي وتوطيد السمع والطاعة له على المسلمين في كل أمر وموقف. وهذا أسلوب قد تكرر وهدف قد استهدف بآيات مدنية عديدة على ما نبهنا عليه في
__________________
(١) انظر طبقات ابن سعد ج ٣ ص ٧٠ ـ ٧٣.
(٢) راويها الطبرسي وهو مفسر شيعي.