إنما يعد بقبول توبة الذين يقترفون الذنوب بسائق الجهل والطيش ثم يستشعرون حالا بخطائهم فيسارعون إلى التوبة قبل فوات الوقت. فهؤلاء هم الذين يتوب عليهم الله. أما الذين يظلون يرتكبون الآثام والموبقات بدون مبالاة إلى أن يحضرهم الموت ثم يستشعرون بالحسرة فيقولون تبنا أو الذين يموتون وهم كفار فلا توبة لهم ولهم عذاب أليم عند الله.
ولقد شرحنا الآية [١٦] على اعتبار أن (وَالَّذانِ) جمع مذكر على ما عليه الجمهور والمأثور من اللغة يسمح به. وقد ذكر النساء في الآية [١٥] فصار من السائغ أن تكون الكلمة قد قصدت الرجال للمقابلة. ويكون على هذا تثنية (فَآذُوهُما) و (فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) هي للتساوق وحسب. على أن هناك من يقول إن الآية [١٥] هي بحق النساء الثيبات والمتزوجات وأن الآية [١٦] هي بحق الأبكار من الرجال والنساء على السواء. وهناك من يقول : إن الآية [١٦] تعني لواط الذكر بالذكر (١). ولقد أورد الذين قالوا هذه الأحاديث النبوية الواردة في عقوبة جريمة اللواط والتي منها حديث رواه أصحاب السنن عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» (٢) ويلحظ أن الحديث عين عقوبة أشد من العقوبة التي عينتها الآية التي نحن في صددها والتي هي الخطوة التشريعية الأولى لمرتكبي الفاحشة. وهذا يجعلنا نرجح أن الحديث قد صدر في ظرف الخطوة التشريعية الثانية التي عينت عقوبة شديدة على الزنا على ما سوف نشرحه في سياق تفسير سورة النور بحيث يسوغ القول إن إيراد الحديث للتدليل على أن كلمة (اللذان) قد قصد بها لواط الذكر بالذكر في غير محله. ونحن نرجح أن هذه الكلمة في مقامها هي جمع مذكر على ما شرحناه قبل. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.
(٢) المصدر نفسه.