بالعدل. وهذا ما يجعلنا نتوقف في الرواية الأولى ولو كان يرويها مسلم. ولا سيما أنها لا تجزم أن الآية نزلت في الحادث الذي ذكر فيها. وإيراد المفسرين لروايات أخرى قد يفيد أنهم لم يأخذوا بها كسبب لنزول الآية. ونرجح أنها نزلت في مناسبة حادث من باب الرواية الثانية. وإلى هذا فإننا نرجح استلهاما من تجانس المواضيع التأديبية في السورة أن الحادث الذي قد تكون الآيتان نزلت في صدده كان سابقا لنزول السورة فكان وسيلة لتضمنها فصلا تعليميّا في ما يجب على المسلمين عند حدوث حادث مماثل.
والآيتان احتوتا تعليما تام الأركان رائع المدى في شأن ما يقوم من نزاع وقتال بين فريقين من المسلمين. وموجها إلى الفريق الذي ليس طرفا في النزاع بين المسلمين. وموجبا عليه بأن لا يقف موقف الساكت المتفرج بل يسارع إلى التدخل والإصلاح بين الفريقين المتنازعين وإحقاق الحق لصاحبه بدون محاباة. ونصرة المظلوم المبغى عليه بالسلاح إذا لم يرتدع الظالم ويقف عند ما رسمه الله ورسوله من حدود الحق والعدل.
وإطلاق العبارة في الآيتين يجعل ما تحتويانه من تعليم عامّا مستمر التلقين. ويجعل واجب المسلمين المذكور فيهما لازما عليهم في كل وقت ومكان. وفيهما توطيد للأخوة والسلم بين المسلمين. وتقرير لمنافاة النزاع والبغي والظلم بينهم لمعنى الأخوة الإسلامية. وفي هذا من الروعة والجلال ما هو واضح.
وقد يصح أن يقال إن طائفتي المسلمين يمكن أن تكونا قبيلتين أو أسرتين أو مدينتين في نطاق دولة واحدة ويمكن أن تكونا جماعتين ليس لإحداهما سلطان على الأخرى أو دولتين كل منهما ذات سلطان مستقل.
وفي صدد التطبيق قد يكون الأمر بالنسبة للنزاع والقتال بين جماعتين ليس لإحداهما سلطان على الأخرى أو بين دولتين كل منهما مستقل السلطان هو الأكثر تواردا. لأنه لا يبدو ضرورة لقتال الفريق الباغي من طرف ثالث لو كان الأمر يظل دائما في نطاق خصومة عائلية في بلد ما أو قبيلة ما أو بين قبيلتين أو مدينتين في