الذي عبر عنه بتعبير (أَتْقاكُمْ) والذي يدخل في نطاقه مراقبة الله في السرّ والعلن وابتغاء رضائه في الائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه. وقد أمر بكل ما فيه الحقّ والعدل والبرّ والتقوى وأداء الواجبات نحو الله والناس. ونهي عن كلّ ما فيه إثم وبغي ومنكر وتقصير نحو الله والناس. وهي من أجل ذلك يصح أن تعتبر من روائع جوامع الكلم القرآنية وأقواها وأبعدها مدى وأثرا في الحياة الاجتماعية والسياسية والشخصية والإسلامية.
ويلفت النظر بخاصة إلى المخاطب في الآية. فبينما خاطبت الآيات السابقة لها المسلمين جاءت هذه الآية لتخاطب الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأنسابهم وأحسابهم وأديانهم ونحلهم خطابا مطلقا يمتد ما دامت الحياة الدنيا ، لأن الموضوع الخطير الذي تقرره هو الذي يتناسب مع هذا الخطاب أكثر. وفيها شيء من معنى التنديد اللاذع بما اعتاده الناس من التفاخر بالأحساب والأنساب والثروات وما يماثلها من الأعراض.
وهذه الدلالات قوية البروز في الخطبة الرائعة التي ألقاها السيد الرسول صلوات الله عليه بعد فتح مكة وتلا فيها الآية والتي أوردنا خبرها قبل. ولقد روى المفسرون في سياق هذه الآية وفي صددها أحاديث نبوية قوية التلقين والعظة منها حديث رواه ابن ماجه عن أبي هريرة جاء فيه «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (١). وحديث أخرجه الطبراني عن محمد بن حبيب بن خراش العصري عن أبيه أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلّا بالتّقوى» (٢). وحديث أخرجه أبو بكر البزار عن حذيفة قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : كلّكم بنو آدم وآدم خلق من تراب ، ولينتهينّ قوم يفخرون بآبائهم أو ليكوننّ أهون على الله تعالى من الجعلان» (٣). وحديث رواه الطبري جاء فيه «قال
__________________
(١) النصوص من ابن كثير.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه.