ولقد تكرر التقرير المنطوي في الآيات بأساليب عديدة في مواضع كثيرة من القرآن المكي والمدني ما مرّ منه أمثلة عديدة حيث يكون هذا من المبادئ القرآنية المحكمة.
ومع خصوصية الآيات ومناسبتها الموضوعية فإنها لا تخلو كما يتبادر لنا من تلقين تقريري لشخصية المرأة واستقلالها السلوكي وأهليتها لتحمل نتائج هذا السلوك. وهذا كله متسق مع ما قرره القرآن ونبهنا عليه في مناسبات عديدة سابقة.
وكفر وخيانة امرأة نوح وإيمان امرأة فرعون يذكران للمرة الأولى والوحيدة في هذه الآيات. والأمران لم يردا في أسفار العهد القديم المتداولة اليوم والتي احتوت قصص نوح وفرعون وموسى بإسهاب. ولكن هذا لا يمنع من أن يكون شيء من ذلك ورد في أسفار وقراطيس كانت متداولة ولم تصل إلينا على ما نبهنا عليه في مناسبات مماثلة. ولقد روى المفسرون (١) عن بعض التابعين أن امرأة نوح كانت تشي لجبابرة قومها بالذين كانوا يؤمنون برسالة زوجها. وأن امرأة فرعون التي سميت في كتب التفسير بآسية بنت مزاحم آمنت نتيجة لإيمان امرأة خازن فرعون التي أصرّت على إيمانها بالله رغم قتل فرعون لأولادها أمامها وتعذيبها حتى زهقت روحها حيث أثّرت أقوالها فيها وأنها فرحت حينما علمت بتغلب موسى على سحرة فرعون وأعلنت إيمانها بربّ هارون وموسى. وأن فرعون عذّبها ثم أمر بإلقاء صخرة عظيمة عليها فزهقت روحها هي الأخرى حيث يدلّ هذا على أن ما ورد في الآيات كان متداولا في بيئة النبي صلىاللهعليهوسلم. وإذا كان من الراجح أن هذا التداول كان في أوساط الكتابيين فإن ورود الآيات بالأسلوب الذي وردت به قرينة على أن سامعي القرآن من العرب لم يكونوا يجهلون ذلك أيضا فاقتضت حكمة التنزيل أن يكون وسيلة للعظة والتذكير والتمثيل شأن كل الأمثال التاريخية التي وردت في القرآن.
أما امرأة لوط ففي قصة لوط الواردة في سور الصافات والعنكبوت والنمل
__________________
(١) انظر تفسير ابن كثير والبغوي والخازن والطبرسي.