أحبّ الأعمال إلى الله لعملنا به فدلّهم الله على أحبّ الأعمال إليه فقال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) فبيّن لهم فابتلوا بيوم أحد بذلك فولّوا عن النبي صلىاللهعليهوسلم مدبرين فأنزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢)).
والرواية الأخيرة عجيبة لأنها تجعل نزول الآية الثالثة مقدما على نزول الآية الثانية.
والتنديد الشديد في الآيات يدل كما هو ظاهر على أنها في صدد جماعة كانوا يعدون بالجهاد ثم يخلفون. وهذا متسق مع بعض الروايات. ولقد حكت آيات عديدة في سور آل عمران والأحزاب والنساء والنور مثل ذلك عن المنافقين. وفي سورة الأحزاب آية صريحة في ذلك (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً (١٥)) أن المقصود في الآيات منهم. وفي سورة النور آية صريحة أخرى (* وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣)).
وشدة التنديد تدل على أن موقف المندد بهم كان مثيرا للمقت والسخط إما بتكرره وإما في ظروفه. وهذا لا يكون على الأرجح إلّا من المنافقين. ولعل الآيات تنطوي على تقرير كون هذا الموقف مما آلم النبي صلىاللهعليهوسلم وآذاه. وقد يكون في الآيات التالية التي تذكر بمواقف قوم موسى المؤذية من نبيهم رغم اعترافهم بنبوته وتندد بهم وتصفهم بالفسق والانحراف ، قرينة على ذلك. والله أعلم.
وأسلوب الآيات عام. وتلقينها مستمر المدى لجميع المسلمين في كل ظرف ومكان. وقوة الآيات تهزّ النفس هزا شديدا سواء بإيذانها بمحبة الله للذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص أم بشدّة مقت الله للذين يقولون ما لا يفعلون ، وفي القرآن آيات كثيرة جدا في الأمرين أي في التنديد بالمتثاقلين عن الجهاد المثبطين عنه المخلفين بوعودهم به والتنويه بالذين يقاتلون بصدق وإخلاص. وقد جاء كثير منها في سور سبق تفسيرها. ومنها ما جاء في سور نزلت بعد هذه السورة حيث يدل كل ذلك على ما أعاره القرآن الكريم من عناية عظمى لهذا الركن العظيم