الآيات السابقة بما يسّر الله لنبيه من الفتح وبشّرته بما بشّرته فجاءت هذه الآيات تلتفت في الخطاب إلى المؤمنين فتذكّرهم (أولا) بما كان من بثّ الله الطمأنينة في قلوبهم بعد الجزع ليقوى إيمانهم وثقتهم به. وتطمئنهم (ثانيا) بأن ما كان من رحلتهم وما نالهم من مشقة قد جعله الله بالإضافة إلى ما يسّره به من فتح وسيلة للتجاوز عن سيئاتهم ورضائه عنهم ومن مبررات ما سوف يدخلهم فيه من الجنات الأخروية مخلدين فيها ، وفي ذلك ما فيه من الفوز العظيم. وتنبههم (ثالثا) إلى أن الله عزوجل الذي له جنود السموات والأرض وقواها قادر على تحقيق ما وعدهم به. وقد كان وما يزال العليم بكل شيء الحكيم الذي لا يأمر ولا يقضي إلّا بما فيه الحكمة والصواب. ولتستطرد (رابعا) إلى ذكر المنافقين والمشركين من رجال ونساء الذين يظنون بالله ظنّ السوء حيث يظنون أنه خاذل لأوليائه. وترد عليهم سوء ظنهم من كون دائرة السوء سوف تدور عليهم. وغضب الله ولعنته سوف يحلان عليهم. ومصيرهم الأخروي هو جهنّم وبئست هي من مصير أعدّ لهم ولأمثالهم. وكون الله الذي له جنود السموات والأرض وقواها قادرا على تحقيق ما أوعدهم به من الخزي واللعنة والهوان والعذاب. فهو كان وما يزال العزيز الحكيم القادر على ذلك والذي يفعل ما فيه الحق والحكمة والصواب.
وعلى ضوء هذا الشرح الذي نرجو أن يكون صوابا فإننا نتوقف في كون الآية [٥] نزلت جوابا على سؤال المؤمنين. ونميل إلى القول إن المؤمنين قالوا للنبي ألك في موقف آخر فتلا عليهم النبي الآية لتبشيرهم وتطمينهم فالتبس الأمر على الرواة والله تعالى أعلم.
وقد لمحنا حكمة تكرار جملة (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في كون ذلك قد جاء ليتلاءم مع وعد الله تعالى للمؤمنين ووعيده للكفار والمشركين. ونرجو أن يكون شرحنا لذلك صوابا إن شاء الله.
ولعلّ في الآية الأولى ما يلهم صحة ما روي من القلق والبلبلة التي اعترت