أخبار البيعة ومشهدها الرائع وما عبرت عنه من إعلان العزم على مواجهة الموت بقلوب مؤمنة ونفوس مطمئنة وجأش رابط قد وصلت إلى قريش وكانت عاملا من عوامل ما انبثق فيهم من رغبة اجتناب الحرب والقتال مع هذه الفئة التي بايعت نبيّها وربّها على الموت وعدم الفرار والتي ظهر من إخلاصها لدينها وتأييدها لنبيها ما ظهر.
ولقد كان تعبير (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) موضوع أقوال تتصل بعلم الكلام وصفات الله من حيث نسبة الجوارح إلى الله تعالى (١). ولسنا نرى التعبير والسياق يتحملان ذلك فقد قصد به كما هو المتبادر شدة التوكيد على خطورة العهد والبيعة وكون الله تعالى شاهدا عليهما استهدافا لقوة التلقين الذي أريد بثّه في نفوس المسلمين.
ولقد روى البغوي عن ابن عباس في تأويل الجملة (يد الله بالوفاء لما وعدهم من الخير فوق أيديهم). وروي عن الكلبي (نعمة الله عليهم في الهداية فوق ما صنعوا من البيعة). وقال الطبري في تأويلها (يد الله فوق أيديهم عند البيعة لأنهم كانوا يبايعون الله ببيعتهم أو قوة الله فوق قوتهم في نصرة الله ورسوله). وفي هذه التأويلات أيضا سداد وتفيد أن الجملة حملت على المجاز.
ولقد حاول بعض الصوفيين أن يروا في الجملة وأمثالها تأييدا لمذهبهم في وحدة الوجود والاتحاد بالله والشطح والمفارقة ظاهران في هذا القول.
ولقد نبهنا في مناسبات سابقة على ما ينطوي في تعبيرات : يد الله ووجه الله وسمع الله وبصر الله ، من مقاصد خطابية وعلى ما ينبغي أن يفهم من ذلك على ضوء التقريرات القرآنية وسنة السلف الصالح (٢). فلا نرى ضرورة إلى الإعادة والتكرار.
ولا تخلو الآية من تلقين مستمر المدى فيما يكون قد وجب على المسلمين باعتناقهم الدين الإسلامي وبإيمانهم بالله ورسوله وقرآنه. فإنهم بذلك بمثابة من بايع الله ورسوله على السمع والطاعة والقيام بما أوجبه عليهم القرآن وسنة النبي من واجبات إيجابية وسلبية متنوعة وعدم إهمالها والتقصير فيها أو نقضها ومخالفتها.
__________________
(١) انظر الزمخشري وذيل ابن المنير على تفسير الزمخشري والخازن.
(٢) انظر آخر تفسير سورة القصص.