مناسبات سابقة عديدة من كون القتال في الإسلام هو للدفاع ومقابلة العدوان بالمثل وليس للإكراه على الإسلام أو قتال الكافرين بالرسالة الإسلامية عامة دون تفريق بين المسالمين والمعادين. فالقوم في الآية كفار أعداء وجب قتالهم. وحين تقوم حالة الحرب بين المسلمين وأعدائهم من الكفار لا تقف إلّا بانتهاء الأعداء عن مواقفهم. وهذا يكون بالإسلام كما يكون بالصلح. وصلح الحديبية مثل قريب على ذلك ينطوي فيه كون هذا لا يقتصر على غير العرب أو على غير المشركين منهم.
(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧)) [١٧].
لم يرو المفسرون مناسبة خاصة للآية والمتبادر أنها جاءت استطرادية استدراكية. وهي بذلك متصلة بالسياق السابق وجزء منه. فقد أنذرت الآيات السابقة الذين لا يثبتون إخلاصهم في طاعة الله ورسوله بالجهاد في سبيل الله جهادا مجردا من الطمع فجاءت هذه الآية تؤذن بعذر المعذورين وتعفيهم من الواجب الذي لا يقدرون على القيام به بسبب أعذارهم الجسمانية.
والمبدأ الذي احتوته الآية متمشّ مع الحق والعدل والحكمة. وهو من المبادئ العامة التي تكرر تقريرها بأساليب متنوعة كما لا يخفى.
والفقرتان الأخيرتان من الآية أولا وإطلاق العبارة فيها ثانيا مما يلهم أن الآية مع انطوائها على قصد توكيد الحثّ والإنذار اللذين وجها إلى المتخلفين في الآيات السابقة فقد قصد بها أن تكون عامة التوجيه والتلقين شاملة لجميع المسلمين في مختلف الظروف أيضا كما هو المتبادر.
(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩)) [١٨ ـ ١٩].