ومضامين فصول السورة وسياقها يلهم أن منها ما نزل مبكرا ومنها ما نزل متأخرا. ومنها ما له ارتباط ببعضه ظرفا أو موضوعا. ومنها المستقل. ومنها ما نزل قبل سور أو فصول من سور متقدمة عليها في الترتيب. ومنها ما نزل بعد سور أو فصول من سور متأخرة عنها. وكل هذا يسوغ القول إن هذه السورة ألّفت تأليفا بعد استكمال نزول فصولها.
وأكثر روايات ترتيب النزول تجعل هذه السورة سادسة السور المدنية نزولا ومنها ما يجعلها ثامنة (١). ولعلّ ذلك بسبب تبكير مطلعها الذي يبرز عليه طابع المطلع.
ولقد جاءت آخر آية منها في أحكام إرث الكلالة لا يمكن تعليل وضعها في مكانها إلّا بكونها نزلت بعد تأليف فصول السورة فألحقت بها لأنها متصلة بأحكام المواريث التي احتوتها السورة. وفي ذلك عندنا دليل حاسم على أن تأليف السورة قد تمّ في حياة النبي صلىاللهعليهوسلم وإرشاده وفي زمن متأخر من العهد المدني. والله سبحانه وتعالى أعلم.
هذا ولقد أورد السيوطي في الإتقان حديثا أخرجه الحاكم في مستدركه والبيهقي في الدلائل والبزار في مسنده عن عبد الله بن مسعود قال «ما كان يا أيها الذين آمنوا أنزل بالمدينة وما كان يا أيها الناس ففي مكة» وأخرج الإمام أبو عبيد هذا الحديث في الفضائل مرسلا. وفي الآية الأولى لهذه السورة التي لا خلاف في مدنيتها نقض ما لهذا القول على إطلاقه كما هو ظاهر. وقد لا حظ ذلك غير واحد من العلماء ونبهوا عليه على ما جاء في الإتقان أيضا (٢). وليست هذه الآية هي الوحيدة المحقق مدنيتها والتي فيها خطاب يا أيها الناس. ففي بعض السور المدنية مثل ذلك أيضا. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) انظر كتابنا سيرة الرسول ج ٢ ص ٩ والإتقان ج ١ ص ١٠ ـ ١٢.
(٢) الإتقان ج ١ ص ١٨.