جيلاً بعد جيل وسائر الحوادث العرضية المقارنة له.
وفي قوله : ( إِنَّا لَقَادِرُونَ ) التفات (١) من الغيبة إلى التكلم مع الغير ، والوجه فيه الإشارة إلى العظمة المناسبة لذكر القدرة ، وفي ذكر ربوبيته للمشارق والمغارب إشارة إلى تعليل القدرة ، وهو أنّ الذي ينتهي إليه تدبير الحوادث في تكوّنها لا يعجزه شيء من الحوادث التي هي أفعاله ، عن شيء منها ، ولا يمنعه شيء من خلقه من أن يبدله بخير منه ، وإلاّ شاركه المانع في أمر التدبير ، والله سبحانه لا شريك له في أمر التدبير (٢).
وأمّا الآية الثالثة : فلما ذكر سبحانه الوعد والوعيد والبعث والنشور أردفه بقول منكر البعث ورد عليهم بأوضح بيان وأجلى برهان ، وقال : (أَوَلَا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ) (٣) والمراد أو لا يذكر أنّ النشأة الأُولى دليل على إمكان النشأة الثانية ، ثمّ أكده بقوله : « فوربك » يا محمد « لنحشرنّهم والشياطين » أي لنجمعنهم ولنبعثنهم من قبورهم مقرنين بأوليائهم من الشياطين.
وأمّا الآية الرابعة : فسياق الآية يندد بالمقتسمين ، ويقول : ( كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ ) (٤) ثمّ يصفهم بقوله : ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) (٥) والعضين
__________________
(١) الالتفات في علم البيان عبارة عن الانتقال من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ، ومن الغيبة إلى التكلم كما في قوله سبحانه : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) وقوله سبحانه : ( حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم ) وقوله سبحانه : ( وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ ) ففي الآية الأُولى عدول من الغيبة إلى الخطاب ، وفي الثانية من الخطاب إلى الغيبة ، وفي الثالثة من الغيبة إلى التكلم.
(٢) الميزان : ٢٠ / ٢٢.
(٣) مريم : ٦٧.
(٤) الحجر : ٩١.
(٥) الحجر : ٩٠.