قوله : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) : أى إلى خالقكم (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) : أى خالقكم (فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٥٤).
ذكروا أنّ موسى عليهالسلام لّما قطع البحر ببني إسرائيل ، وأغرق الله آل فرعون ، قالت بنو إسرائيل لموسى : يا موسى ، ائتنا بكتاب من عند ربّنا كما وعدتنا ، وزعمت أنّك تأتينا به إلى شهر. فاختار موسى من قومه سبعين رجلا لينطلقوا معه. فلمّا تجهّزوا قال الله لموسى : أخبر قومك أنّك لن تأتيهم إلى أربعين ليلة ، وذلك حين أتممت بعشر ، وهي ثلاثون من ذي القعدة وعشر من ذي الحجّة. قال الحسن : كانت أربعين من أوّل ؛ يقول : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) [الأعراف : ١٤٢] وبعدها عشرا ، كقوله : (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [البقرة : ١٩٦].
قال الكلبيّ : فلمّا خرج موسى بالسبعين أمرهم أن ينتظروا في أسفل الجبل. وصعد موسى الجبل فكلّمه ربّه ، وكتب له في الألواح. ثمّ إنّ بني إسرائيل عدّوا عشرين يوما وعشرين ليلة فقالوا : قد أخلفنا موسى الوعد ، وجعل لهم السامريّ العجل (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) [طه : ٨٨] فعبدوه.
قال الكلبيّ : فبلغنا ـ والله أعلم ـ أنّ الله قال عند ذلك : يا موسى إنّ قومك قد عبدوا من بعدك عجلا جسدا له خوار. فرجع موسى إلى قومه ومعه السبعون ، ولم يخبرهم موسى بالذي أحدثت بنو إسرائيل من بعده بالذي قال له ربّه. فلمّا غشي موسى محلّة قومه سمع اللغط حول العجل ، فقال السبعون : هذا قتال في المحلّة. فقال موسى : ليس بقتال ، ولكنّه صوت الفتنة. فلمّا دخل موسى ونظر ما يصنع بنو إسرائيل حول العجل غضب ، وألقى الألواح فانكسرت ، فصعد (١) عامة ما فيه من كلام الله. (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) [الأعراف : ١٥٠] فقال له هارون : يا (يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) (٩٤) [طه : ٩٤]. فأرسله موسى وأقبل على السامريّ وقال : ما خطبك يا سامري؟ ولم صنعت ما أرى؟ قال : (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) ، يعني بني إسرائيل. قال : وما الذي بصرت به؟
__________________
(١) كذا ني المخطوطات ق وع ود : «فصعد». وجاء في هامش د : «ولعلّه فانصدع» وهو الصواب إن شاء الله.