لا ستؤصلوا عن جديد الأرض (١).
وذكر لنا أن سيّدي أهل نجران وأسقفهم لقيا نبيّ الله فسألاه عن عيسى ، فقالا له : كلّ آدميّ له أب ، فما شأن عيسى لا أب له؟ فأنزل الله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ ، مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ ، كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ...) إلى آخر الآية. ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لقد كاد العذاب يدلى على أهل نجران (٢).
قوله : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٦٢). قوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) : أى عمّا جاء به النبيّ عليهالسلام (فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) (٦٣) : أى بالمشركين. والمفسدون في هذا الموضع هم المشركون.
قوله : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) : أى عدل بيننا وبينكم ، وهي لا إله إلّا الله. (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا) : يعني النبيّ والمؤمنين (اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (٦٤).
ذكر بعض المفسّرين قال : ذكر لنا أنّ نبيّ الله دعا يهود أهل المدينة إلى كلمة السواء لّما أنزل الله (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ ...) إلى آخر الآية. وهم الذين حاجّوا في إبراهيم ، وزعموا أنّه مات يهوديّا ، فأكذبهم الله ونفاهم منه فقال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ ....) الآية. أمّا قوله : (وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) فقد ذكروا أنّ عديّ (٣) بن حاتم قال : أتيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال : يا عديّ ، ألق هذا الوثن من عنقك. قال : وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتّى انتهى إلى هذه الآية : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ
__________________
(١) روى ابن جرير الطبريّ هذا الحديث عن قتادة مرسلا. وجديد الأرض وجدّها : وجه الأرض.
(٢) وفي رواية : «والذي بعثني بالحقّ لو قالا : لا ، لأمطر عليهم الوادي نارا».
(٣) هو عديّ بن حاتم الطائيّ الذي يضرب بوالده المثل في الكرم. وفد على النبيّ صلىاللهعليهوسلم سنة سبع فأسلم ، وحسن إسلامه ، فكان النبيّ عليهالسلام يكرمه ويقرّب مجلسه. وقد منّ الرسول عليهالسلام على أختة ، ابنة حاتم ، لما وقع عليها السباء في سبايا طيّء. اقرأ قصّتها وقصّة إسلامه في سيرة ابن هشام ، ج ٤ ص ٥٧٨ ـ ٥٨١ ، وفي تاريخ الطبري ، ج ٣ ص ١١٢ ، وانظر طرفا من أخباره في كتب التراجم ، انظر مثلا الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج ٣ ص ١٠٩.