وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ...) [التوبة : ٣١] فقلت : إنّا لا نتّخذهم أربابا من دون الله. فقال النبيّ عليهالسلام : أليسوا يحلّون لكم ما حرّم الله عليكم فتستحلّونه ، ويحرّمون عليكم ما أحلّ الله لكم فتحرّمونه؟ قلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم (١).
قوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٦٥) : قال الحسن : وذلك أنّهم نحلوه أنّه كان على دينهم ، فقالت اليهود ذلك ، وقالت النصارى ذلك ، فكذّبهم الله جميعا ، وأخبر أنّه كان مسلما. ثمّ احتجّ عليهم أنّه إنّما أنزلت التوراة والإنجيل من بعده. وقال بعضهم : (وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) أى : إنّما كانت اليهوديّة (٢) بعد التوراة ، والنصرانيّة بعد الإنجيل ؛ (أَفَلا تَعْقِلُونَ)؟!.
قوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) : قال الحسن : يقول : حاججتم فيما كان في زمانكم وأدركتموه (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ) : أنّ إبراهيم لم يكن نصرانيّا ولا يهوديّا (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٦٦) : ذلك.
قوله : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٦٧) : قال مجاهد : برّأه الله من اليهوديّة ومن النصرانيّة حين ادّعت كلّ أمّة أنّه منهم (٣) وألحق به المؤمنين من كانوا من أهل الحنيفيّة.
قوله : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) : وسمعوه (وَهذَا النَّبِيُّ) : محمّد (وَالَّذِينَ آمَنُوا) كلّهم به ، وذلك أنّ دينهم واحد ، وفيه ولاية الله الذي يتولّى المؤمنين. قال الله : (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (٦٨). وذكر بعضهم قال : الذين اتّبعوه ، أى : على ملّته ، (وَهذَا النَّبِيُ) محمّد ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا) وهم المؤمنون الذين صدّقوا نبيّ الله واتّبعوه. ذكروا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه حدّث عن ليلة أسري به فكان في حديثه أنّه أتى على إبراهيم في السماء السابعة ، فإذا
__________________
(١) أخرجه الترمذيّ في كتاب التفسير عن مصعب بن سعد بن أبي وقّاص عن عديّ بن حاتم ، وابن جرير الطبريّ في تفسيره ج ١٤ ص ٢١٠ ، وانظر : الدر المنثور ، ج ٣ ص ٢٣٠.
(٢) في ق وع : «إنّما كانت اليهود ... والنصارى» ، وسقط قول الحسن وقول بعضهم من د ، والصحيح ما أثبته من ز ورقة ٤٦ : «اليهوديّة ... والنصرانيّة».
(٣) في ق ، وع ، ود : «حين ادّعى كلّ أحد أنّه منهم». وأثبتّ ما جاء في ز ، ورقة ٤٦ : «حين ادّعت كلّ أمّة أنه منهم» ، وهو موافق لما جاء في تفسير الطبري ج ٦ ص ٤٩١ ، بعد تصحيح المحقّق.