أمّتي عنده شطران : شطر عليهم ثياب بيض ، وشطر عليهم ثياب رمد ؛ فخرج الذين عليهم الثياب البيض ، وحبس الذين عليهم الثياب الرمد ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا ، وكلّ إلى الخير ، ثمّ قيل لي : هذه منزلتك ومنزلة أمّتك ، ثمّ تلا هذه الآية : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (١).
قوله : (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) : يعني من لم يؤمن منهم (لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) : أى بما يودّون من ذلك ، لأنّ الذي يودّون من ذلك ضلال وكفر (وَما يَشْعُرُونَ) (٦٩).
ثمّ أقبل عليهم فقال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (٧٠) : أى أنّها آيات الله ، وأنّه رسوله ، يعني بذلك خاصّة علماءهم. وقال بعضهم : وهم يشهدون أنّ نعت محمّد في كتابهم ، ثمّ يكفرون به وينكرونه. قال الحسن : ثمّ قال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ) : أى لم تخلطون (الْحَقَّ بِالْباطِلِ) : أى تلبسون الإسلام باليهوديّة والنصرانيّة في تفسير الحسن وغيره ، وذلك لما حرفوا من التوراة والإنجيل بالباطل الذي قبلوه عن الشيطان. (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٧١) : قال الحسن : تعلمون أنّ محمّدا رسول الله ، وأنّ دينه حقّ. وقال غيره : كتموا محمّدا وهم يجدونه مكتوبا عندهم.
قوله : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ) : أى آمنوا بمحمّد وجه النهار (وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٧٢) : قال الكلبي : كتبت يهود خيبر إلى يهود المدينة أن آمنوا بمحمّد أوّل النهار واكفروا آخره ، أى :
واجحدوا آخره ، ولبّسوا على ضعفة أصحابه حتّى تشكّكوهم في دينهم ، فإنّهم لا علم لهم ، ولا دراسة يدرسونها ، لعلّهم يرجعون عن محمّد وعمّا جاء به. وقال مجاهد : صلّت اليهود مع النبيّ أوّل النهار صلاة الصبح ، وكفرت آخره ، مكرا منهم ، ليرى الناس أنّه قد بدت لهم [منه] (٢) الضلالة بعد أن كانوا اتّبعوه.
__________________
(١) أخرجه الحافظ البيهقيّ في دلائل النبوّة من حديث أبي سعيد الخدريّ ، وأخرجه ابن جرير الطبريّ من حديث أبي هريرة في أحاديث الإسراء.
(٢) زيادة من تفسير مجاهد ص ١٢٨ ؛ وعبارة مجاهد : «مكرا منهم ليروا الناس أنّه قد بدت لهم منه الضلالة».