متعمّدا يجيء يوم القيامة آخذا قاتله بيمينه ، ممسكا رأسه بيده الأخرى ، تشخب أوداجه دما في قبل العرش يقول : يا ربّ ، سل هذا فيم قتلني. وأيم الله لقد نزلت هذه الآية في عهد نبيّكم وما نسختها من آية ، وما نزل بعدها برهان (١).
ذكروا عن ابن مسعود أنّه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أوّل ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء (٢).
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) : ذكر بعضهم أنّها نزلت في شأن مرداس رجل من غطفان (٣).
ذكر لنا أنّ نبيّ الله بعث جيشا عليهم غالب الليثي إلى أهل فدك ، وبه أناس من غطفان. وكان مرداس منهم ؛ ففرّ أصحابه ، فقال لهم مرداس : إنّي مؤمن وإنّي غير متابعكم. فصبّحته الخيل غدوة. فلمّا لقوه سلّم عليهم ، فقتلوه ، وأخذوا ما كان معه من متاع ؛ فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) ؛ لأنّ تحيّة المؤمنين السّلام ، بها يتعارفون ، وبها يلقى بعضهم بعضا ، وهي تحيّة أهل الجنّة.
(تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) : وذلك في تفسير
__________________
(١) جاء في ز ، ورقة ٧٠ خبران أوردهما يحيى بن سلّام ، وكأنّي بالشيخ هود الهواريّ حذفهما قصدا ، فرأيت من تمام الفائدة إثباتهما :
ـ أولهما : " قال يحيى : بلغني أنّ عمر بن الخطّاب قال : لّما أنزل الله الموجبات التي أوجب عليها النار لمن عمل بها : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ...) وأشباه ذلك كنّا نبتّ عليه الشهادة حتّى نزلت هذه الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] فكففنا عن الشهادة».
ـ وثانيهما : «يحيى عن عاصم بن حكيم عن خالد بن أبي كريمة عن عبد الله بن ميسور عن محمّد بن الحنفيّة عن عليّ قال : لا تنزلوا العارفين المحدثين الجنّة ولا النار حتّى يكون الله هو الذي يقضي فيهم يوم القيامة».
(٢) حديث متّفق على صحّته ، أخرجه البخاري في أوائل كتاب الديات : عن عبد الله بن مسعود. وأخرجه مسلم في كتاب القسامة ، باب المجازاة بالدماء في الآخرة (١٦٧٨) عن عبد الله أيضا.
(٣) هو مرداس بن نهيك الفزاري ، ولكن اختلف الرواة في قاتله. والرواية التي تلي هي لقتادة. انظر : تفسير الطبري ، ج ٩ ص ٧٧ ـ ٨١ ، والواحدي أسباب النزول ، ص ١٦٧ ، وابن عبد البرّ ، الاستيعاب ، ج ٣ ، ص ١٣٨٦.