الوحي (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) (١٠٥) : ذكر عن الحسن أنّ رجلا من الأنصار سرق درعا ، فاتّهم عليها. فلمّا فشت عليه القالة استودعها رجلا من اليهود. ثمّ أتى قومه فقال : ألم تروا إلى هؤلاء الذين اتّهموني بالدرع ، فو الله ما زلت أسأل عنها حتّى وجدتها عند فلان اليهوديّ. فأتوا اليهوديّ فوجدوا عنده الدرع ؛ فقال : والله ما سرقتها ، إنّما استودعنيها. ثمّ قال الأنصاريّ لقومه : انطلقوا إلى النبيّ عليهالسلام فقولوا له فليخرج ، فليعذرني فتسقط عنّي القالة. فأتى قومه رسول الله فقالوا : يا رسول الله ، اخرج فاعذر فلانا حتّى تسقط عنه القالة. فأراد رسول الله أن يفعل ، فأنزل الله : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) يعني الأنصاريّ (١).
(وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) : ممّا كنت هممت به أن تعذره. (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (١٠٦).
قوله : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) : أى أنّ الأنصاري هو الذي سرقها ، أمّا اليهودي فهو منها بريء (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً) (١٠٧) : وهو طعمة بن أبيرق الأنصاري (٢) ، وكان منافقا ، في حديث الحسن.
قال : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) : أى يستحيون من الناس ولا يستحيون من الله (وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) : تفسير (يُبَيِّتُونَ) أى يفترون. وقال بعضهم : (يُبَيِّتُونَ) أى : يلقون (٣).
__________________
(١) وردت هذه القصّة مضطربة ناقصة في ق وع ، فأثبتّ صحتها وتمامها من ز ، ورقة ٧٣. وبذكر الواحديّ أنّ هذه القصّة هي سبب نزول الآيات ، وهنالك أسباب أخرى قريبة منها ذكرها المفسّرون. انظر مثلا : تفسير الطبري ، ج ٩ ص ١٧٦ ـ ١٨٩ ، وانظر الدر المنثور ، ج ٢ ص ٢١٥ ـ ٢١٩.
(٢) هو طعمة بن أبيرق الأنصاريّ ، ذكره ابن قتيبة في المعارف ، ص ٣٤٣ في أسماء المنافقين الذين أرادوا أن يلقوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الثنية في غزوة تبوك. انظر تفاصيل القصّة وأسماء الذين شاركوا فيها في تفسير الطبري ، ج ٩ ص ١٧٦ ـ ١٨٣.
(٣) في ع : «يزلقون» ويبدو أنّه تصحيف من الفعل «يؤلفون» وهو تفسير رواه الطبريّ عن أبي رزين في تفسيره ، ج ٩ ص ١٩٢. وفي د : «يلقون». وإذا صحّ بهذا الأخير فيكون من الفعل : ولق ، أى : كذب ؛ كما قرأت عائشة من سورة النور : ١٥ : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ).