قوله : (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) : ذكر الحسن عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه قال في نساء أهل الجنّة : يدخلنها عربا أترابا لا يحضن ولا يلدن ولا يمتخطن ولا يقضين حاجة فيها قذر (١). وقال بعضهم : مطهّرة من الإثم والأذى ، قال : ومن مساوئ الأخلاق. (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٥) : لا يموتون ولا يخرجون منها.
قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) : وما هاهنا كلمة عربيّة ليس لها معنى ؛ زيادة في الكلام. وهو في كلام العرب سواء : بعوضة فما فوقها وما بعوضة فما فوقها (٢). وذلك أنّ الله لّما ذكر في كتابه العنكبوت والنملة والذباب قال المشركون : ماذا أراد الله بذكر هذا في كتابه ، وليس يقرّون أنّ الله أنزله ، ولكن يقولون للنبيّ عليهالسلام : إن كنت صادقا فما ذا أراد الله بهذا مثلا؟ فأنزل الله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها).
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) قال الله (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) (٢٦) : أى : إلّا المشركين. وهذا فسق الشرك ، وهو فسق فوق فسق ، وفسق دون فسق. والمعاصي كلّها فسق.
ثمّ قال : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) : وهو الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم. وتفسيره في سورة الأعراف (٣).
قال : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) : قال ابن عبّاس : ما أمر الله به من الإيمان
__________________
(١) قيل : إنّه لم يثبت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في وصف نساء الجنّة إلّا حديث واحد مرفوع أخرجه الحاكم وابن مردوية وصحّحه عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى : (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) قال : من الحيض والغائط والنخامة والبزاق. وسائر ما ورد في صفة نساء أهل الجنّة هو من ألفاظ الصحابة أو التابعين. قال ابن عبّاس : مطهّرة من القذر والأذى. وقال قتادة : مطهّرة من الأذى والمأثم.
(٢) ذكر المؤلف وجها واحدا من وجوه إعراب «ما» ، وهي أنّها زائدة ، أو «صلة» أو «تطوّل» كما هو في اصطلاح النحاة القدامى. انظر وجهين آخرين من وجوه إعراب «ما» في معاني الفراء ج ١ ص ٢١ ـ ٢٣ ، وفي تفسير الطبري ، ج ١ ص ٤٠٤ ـ ٤٠٦.
(٣) يشير إلى قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ، أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢].