(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَاوَى).
فقد كنت يا محمّد في رحم امّك حين توفي والدك فآويتك إلى كنف جدّك عبد المطلب (سيد مكة).
وكنت في السادسة حين توفيت والدتك ، فزاد يتمك ، لكنّني زدت حبّك في قلب عبد المطلب.
وكنت في الثامنة حين رحل جدّك عبدالمطلب ، فسخرت لك عمّك أبا طالب ، وليحافظ عليك كما يحافظ على روحه.
نعم ، كنت يتيماً فآويتك.
ثم يأتي ذكر النعمة الثانية : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى).
نعم ، لم تكن أيّها النبي على علم بالنبوّة والرسالة ، ونحن أنزلنا هذا النور على قلبك لتهدي به الإنسانية ، وهذا المعنى ورد في الآية (٥٢) من سورة الشورى أيضاً : (مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلكِن جَعَلْنهُ نُورًا نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا).
من هنا فإنّ المقصود من الضلالة في كلمة ضالاً في الآية ليس نفي الإيمان والتوحيد والطهر والتقوى عن النبي ، بل بقرينة الآيات التي أشرنا إليها تعني نفي العلم بأسرار النبوّة وبأحكام الإسلام ، وتعني عدم معرفة هذه الحقائق ، كما أكّد على ذلك كثير من المفسرين.
لكنّه صلىاللهعليهوآله بعد البعثة اهتدى إلى هذه الامور بعون الله تعالى.
ثم يأتي ذكر النعمة الثالثة : (وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى) (١).
لقد جعلناك تستأثر باهتمام خديجة هذه المرأة المخلصة الوفية لتضع كل ثروتها تحت تصرّفك ومن أجل تحقيق أهدافك ، وبعد ظهور الإسلام رزقك مغانم كثيرة في الحروب ساعدتك في تحقيق أهدافك الرسالية الكبرى.
في الآيات التالية ثلاثة أوامر تصدر إلى الرسول باعتبارها نتيجة الآيات السابقة ... والخطاب ، وإن كان متجهاً إلى الرسول صلىاللهعليهوآله ، فإنّه يشمل أيضاً كل المسلمين.
(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ).
كأنّ الله يخاطب نبيّه قائلاً : لقد كنت يتيماً أيضاً وعانيت من آلام اليتم ، والآن عليك أن
__________________
(١) العائل : في الأصل كثير العيال ، وجاءت أيضاً بمعنى الفقير ، وهي في الآية بهذا المعنى.