ومع فتق سمعه خطّ كمستدقّ القلم في لون الأقحوان ، أبيض يقق (١) ، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق.
وقلّ صبغ إلاّ وقد أخذ منه بقسط ، وعلاه بكثرة صقاله ، وبريقه ، وبصيص (٢) ديباجه ورونقه ، فهو كالأزاهير المبثوثة ، لم تربّها أمطار ربيع ، ولا شموس قيظ.
وقد ينحسر (٣) من ريشه ، ويعرى من لباسه ، فيسقط تترى ، وينبت تباعا ، فينحتّ من قصبه انحتات (٤) أوراق الأغصان ، ثمّ يتلاحق ناميا حتّى يعود كهيئته قبل سقوطه ، لا يخالف سالف ألوانه ، ولا يقع لون في غير مكانه! وإذا تصفّحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة ورديّة ، وتارة خضرة زبر جديّة ، وأحيانا صفرة عسجديّة (٥) ، فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن (٦) ، أو تبلغه قرائح العقول ، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين! وأقلّ أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه ، والألسنة أن تصفه! فسبحان الّذي بهر العقول عن وصف خلق جلاّه للعيون » (٧).
وألمّ هذا الوصف الرائع بخلقة الطاوس وما فيه من العجائب التي يذهل
__________________
(١) اليقيق : شديد البياض.
(٢) البصيص : اللمعان.
(٣) ينحسر : وهو من حسره أي كشفه.
(٤) ينحت : يسقط.
(٥) العسجدية : الذهب.
(٦) العمائق : هي العميقة أو القعر.
(٧) نهج البلاغة ـ محمّد عبده ٢ : ٧٣ ـ ٧٥.