لست مغاليا إذا قلت : إنّ هذا الكلام ينجرّ إلى بحوث فلسفية عالية قد يكون معظمها ليس من اختصاص الأطباء ، ولكنّني أشرح منها ما أستطيع.
حقّا إذا تأمّل الإنسان في عظمة الكون ، وتبصّر في انطواء هذا العالم يحسب نفسه جرما صغيرا إلاّ أنّه لو تبحّر في تركيب جسمه ، ودرس علم التشريح بدقائقه وعلم الفلسفة الحديثة من جميع نواحيه لأخذه الهول من عظمة تكوين هذا الجسم الذي كلّ عضو من أعضائه كوّن في بابه يحتوي على ملايين من الحجيرات تقوم بأعمال ذات اختصاص مرتبطة ببعضها بغاية الدقّة والإحكام ، وحفظ التوازن والانتظام ومع هذه العظمة في تكوينه فإنّه حقّا جرم صغير غير أنّه المكون الصانع أضاف في طبيعة هذه المنظومة لهذا الجسم كونا آخر أعظم شأنا هو ( الدماغ ) الذي رفع ذلك الجرم الصغير إلى الجرم الكبير ، وجعل فيه انطواء هذا العالم الأكبر ، ذلك الدماغ الذي لم يكتشف العلم جميع مكنوناته الدقيقة ولم يتوصّل إلى الوقوف على كيفيّة قيامه بمهمّاته التي من نتيجتها العقل والتعقّل ذلك العقل الذي جعل الإنسان متمكّنا من التغلب على عظمة هذا الكون ، وممارسة انطواء مقتضيات السيطرة على هذا العالم » (١).
وانتهى حديث الدكتور جاك عبود في تحليل كلام الإمام عليهالسلام ، وكان ذلك قبل ثلاثين عامّا ، والآن قد تطوّر الطبّ إلى مرحلة هائلة في العمليات ، وغرس الأعضاء وغيرها.
وقد اكتشف حديثا أنّ بعض الأعضاء إذا كان مصابا بدمّل ونحوه فإنّه يعالج بأخذ زرقة من العضو الصحيح ، وتزرق فيه ، وما يدرينا لعلّ الطبّ قد يكتشف أنّ في بصاق الإنسان وغيره من فضلاته دواء لبعض الأمراض ، وبذلك تكون صيدلية كامنة
__________________
(١) اسبوع الإمام عليهالسلام : ١٩٥ ـ ١٩٦.